بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم
الْحَمْدُلِلَّهِ رَبِ الْعَالَمِيْنَ وَالْصِلاهْ وَالْسَّلامُ على اشْرَفِ الْمُرْسَلِيْنَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ افْضَلَ الْصَّلاهُ وَاتَمَّ الْتَّسْلِيمِ،،
هَذَا الْمَوْضُوْعَ يَضُمُّ لَمْحَاتٌ مَنْ حَيَّاهُ
"بَنَاتِ رَسُوْلِ الْلَّهِ صلى الله عليه وسلم "
لَقَدْ كَانَ لِرَسُوْلٍ الْلَّهِ صلى الله عليه وسلم ارْبَعَ بَنَاتِ وَهُن
زَيْنَبْ , رُقِيِّهِ, امْ كُلْثُوْمٍ , فَاطِمَهْ الْزَّهْرَاءِ ,,
وَسَنَعْرِضُ نَبَذَهُ عَنْ حَيَاهْ كُلُّ وَاحِدَهْ مِنْهُن,,
اوَّلَا:الْسَّيْدِه زَيْنَبَ
{رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا}
*****
هِيَ زَيْنَبُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ بْنِ عَبْدِ الْلَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ خَاتَمُ الْنَّبِيِّيْنَ. وَزَيْنَبَ {رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا}
هِيَ كُ بْرَىْ بَنَاتِ الْرَّسُوْلَ مِنْ بَيْنِ أَرْبَعُ بَنَاتٍ هُنَّ زَيْنَبَ وَ رُقَيَّةَ وَ أُمِّ كُلْثوُمٍ وَ فَاطِمَةَ {رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهُنَّ}
وَهِيَ ثَمَرَةٍ الْزَّوَاجِ السَّعِيْدِ الَّذِيْ جَمَعَ بَيْنَ خَديْجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ {رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا} وَ رَسُوْلُ الْلَّهِ صلى الله عليه وسلم .
وُلِدْتُ زَيْنَبْ {رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا} فِيْ الْسَّنَةِ الْثَّلاثِيْنَ مِنَ مُوَلِّدُ مُحَمَّدٍ ،أَيْ أَنَّهُ كَانَ يَبْلُغُ مِنَ الْعُمُرِ ثَلَاثِيْنَ عَاما عِنْدَمَا أَصْبَحَ أَبَا لِزَيْنَبَ الَّتِيْ أَحَبَّهَا كَثِيْرا وَكَانَتْ فَرْحَتِهِ لَا تُوْصَفُ بِرُؤْيَتِهَا.
أَمَّا الْسَّيِّدَةُ خَدِيْجَةَ {رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا} فَقَدْ كَانَتْ الْسَّعَادَةُ وَ الْفَرْحَةَ تَغْمُرَانُهَا عِنَدَمّا تَرَىَ الْبِشْرِ عَلَىَ وَجْهِ زَوْجِهَا وَهُوَ يُدَاعِبُ ابْنَتَهُ الْأُوْلَىْ.
وَاعْتَادَ أَهْلِ مَكَّةَ الْعَرَبِ عَامَّةً وَ الْأَشْرَافِ مِنْهُمْ خَاصَّةً عَلَىَ إِرْسَالِ صِغَارَهُمْ الْرُضَّعْ بِيَدِ مُرْضِعَاتٌ مِنْ الْبَادِيَةِ يَعْتِّنِينَ بِهِمْ وَبَعْدَمَا يُقَارِبُ مِنْ الْسَّنَتَيْنِ يُعِيدُوَهُمْ إِلَىَ ذَوِيِهِمْ.
بَعْدَ أَنْ عَادَتِ زَيْنَبْ {رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا} إِلَىَ حِضْنِ أُمِّهَا خَدِيْجَةَ عَهِدْتُ بِهَا إِلَىَ مُرَبِّيَةُ تُسَاعِدُهُا عَلَىَ رِعَايَتِهَا وَالْسَّهَرِ عَلَىَ رَاحَةِ ابْنَتِهَا.
وَ تَرَعْرَعَتْ زَيْنَبٌ فِيْ كَنَفِ وَ الِدُهَا حَتَّىَ شَبَّتْ عَلَىَ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ ِو الآداب وَ الْخِصَالِ فَكَانَتْ تِلْكَ الْفَتَاةْ الْبَالِغَةُ الْطَّاهِرَةِ.
زَوَاجِ الْسَّيْدِه زَيْنَبَ
{رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا}
كَانَتْ هالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ أُخْتُ خَدِيْجَةَ {رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا} زَوْجٍ رَسُوْلُ الْلَّهِ تَقَبَّلْ عَلَىَ أُخْتِهَا بَيْنَ الْحِيْنِ وَالْآخَرْ، فَقَدْ كَانَتَا قَرِيْبَتَانِ مِنْ بَعْضِهِمَا، وَكَانَتْ هَالَةٌ تُعْتَبَرُ الْسَّيِّدَةُ خَدِيْجَةَ أُمَّا وَ أُخْتَا لَهَا وَكَمْ حَلِمْتُ بِأَنْ تَكُوْنَ زَيْنَبَ بِنْتِ أُخْتِهَا {رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا} زَوْجَةً لِابْنِهَا أَبِيْ الْعَاصِ.
مِنْ ذَلِكَ نَجِدُ أَنَّ هَالَةٌ أَحْسَنْتَ الِاخْتِيَارَ فَهِيَ زَيْنَبُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ أَحَدٌ أَشْرَافُ قُرَيْشٍ وَمَكَانَتُهُ كَانَتْ عَظِيْمَةً بَيْنَهُمْ وَ أُمُّهَا ذَاتُ الْمَنْزِلَةِ الْرَّفِيْعَةَ وَ الْأَخْلاقِ الْكَرِيْمَةِ أَيْضا. أَمَّا زَيْنَبُ فَلَمْ تَكُنْ بِحَاجَةٍ إِلَىَ تَعْرِيْفُ, فَأَخَلَاقَهَا كَانَتْ مِنَ أَهُمْ مَا جَذَبَ خَالَتِهَا لَهَا.
كَانَ أَبُوْ الْعَاصِ قَدْ تَعْرِفُ إِلَىَ زَيْنَبَ مِنْ خِلَالِ الزِّيَارَاتِ الَّتِيْ كَانَ يَقُوْمُ بِهَا لِخَالِتْهُ {رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا}، وَ مِنْ هُنَاكَ عُرِّفَ عَنْ طِبَاعِ ابْنَةُ خَالَتِهِ زَيْنَبْ وَ أَخَلَاقَهَا فَزَادَ مِنْ تَرْدَادِهِ عَلَىَ بَيْتِ خَالَتِهِ. وَ فِيْ إِحْدَىَ الْأَيَّامِ فَاتَحَتْ هَالَةٌ أُخْتِهَا بِنَوَايَا ابْنُهَا الَّذِيْ أَخْتَارُ زَيْنَبْ بِنْتِ مُحَمَّدٍ ذُوْ الْمَكَانَةِ الْعَظِيْمَةَ فِيْ قُرَيْشٍ لِتَكُوْنَ شَرِيْكَةُ حَيَاتِهِ وَ زَوْجَةٌ لَهُ.
عَاشَتْ زَيْنَبْ حَيَاةً سَعِيّدَةٌ فِيْ كَنَفِ زَوْجَهَا وَ كَانَتْ خَيْرَ الْزَّوْجَةُ الْصَّالِحَةُ الْكَرِيْمَةِ لِأَبِيْ الْعَاصِ ، وَكَانَ هُوَ خَيْرٌ الْزَّوْجِ الْفَاضِلُ الَّذِيْ أَحَاطَهَا بِالْحُبِّ وَ الْأَمَانَ.
وَشَاءَ الَلّهَ تَعَالَىْ أَنْ يَكُوْنَ ثَمَرَةَ هَذَا الْزَّوَاجَ السَّعِيْدَ طِفْلَيْنِ أَنْجَبَتْهُمَا زَيْنَبْ {رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا}. الْأَوَّلِ عَلَيَّ بْنِ أَبِيْ الْعَاصِ الَّذِيْ تُوُفِّيَ صَبِيا وَ كَانَ رَسُوْلُ الْلَّهِ قَدْ أَرْدَفَهُ وَرَاءَهُ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَ الْثَّانِيَةُ أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِيْ الْعَاصِ الَّتِيْ تَزَوَّجَهَا عَلِيّ بْنِ أَبِيْ طَالِبٍ { كُرِّمَ الْلَّهُ وَجْهَهُ} بَعْدَ وَفَاةِ فَاطِمَةَ الْزَّهْرَاءِ {رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا}.
اسْلَامْ الْسَّيْدِه زَيْنَبْ
{رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا}
*******
وَ قَدْ أَسْلَمْتُ زَيْنَبَ رَضِىَ الْلَّهُ عَنْهَا مَعَ أُمِّهَا وَ أَخَوَاتُهَا وَ حَاوَلَتِ أَنَّ تَدْعُوَ زَوَّجَهَا إِلَىَ الْاسْلامِ كَذَلِكَ
حَاوَلَ مَعَهُ رَسُوْلُ الْلَّهِ صلى الله عليه وسلم وَ لَكِنَّهُ رَفَضَ أَنْ يُتْرَكَ دِيَنِ آَبَاؤُهُ وَ كَانَ مِمَّا قَالَ لَهَا :
" وَالْلَّهِ مَا أَبُوْكِ عِنْدِيْ بِمُتَّهَمٍ، وَلَيْسَ أُحِبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَسْلُكَ مَعَكَ يَا حَبِيْبَةِ فِيْ شِعْبٍ وَاحِدٌ، وَلَكِنِّيْ
أَكْرَهُ لَكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ زَوْجَكِ خُذِلَ قَوْمِهِ وَ كَفِّرْ بِآَبَائِهِ إِرْضَاءِ لِامْرَأَتِهِ "
وَ عَلَىـآ الْرَّغْمِ مِنْ ذَلِكَ هَذِهِ الْمَوَاقِفِ نَجِدُ أَنَّ الْسَيِّدَةُ زَيْنَبْ {رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا} عَلَىَ الْرَّغْمِ مِنْ عَدَمِ إِسْلَامِ زَوْجِهَا فَقَدْ بَقِيَتْ مَعَهُ تَدْعُوَهُ إِلَىَ الْإِسْلَامِ، وَتُقْنِعُهُ بِأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ الْرَّسُوْلُ صلى الله عليه وسلم هُوَ مِنْ عِنْدِ الْلَّهِ وَلَيْسَ هُنَاكَ أَحَقُّ مِنْ هَذَا الْدِينْ لاعْتِنَاقِهُ
إِسْلَامُ أَبِيْ الْعَاصِ
زَوْجٍ زَيْنَبَ بِنْتِ الْنَّبِيِّ
******
وَأَمَرَ رَسُوْلُ الْلَّهِ صلى الله عليه وسلم زَيْنَبْ أَنْ لَّا يُقَرِّبُهَا زَوْجَهَا أَبُوْ الْعَاصِ ، لِأَنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ مَادَامَ مُشْرِكا.
وَقَالَ رَسُوْلُ الْلَّهِ لَهُ: يَا أَبَا الْعَاصِ إِنَّ الْلَّهَ أَمَرَنِيَ أَنْ أُفَرِّقَ بَيْنَ مَسْلَمَةَ وَ كَافِرٌ، فَهَلْا رَدَدْتَ إِلَىَ ابْنَتِيَ؟
فَقَالَ : نَعَمْ
وَخَرَجَتْ زَيْنَبُ تَسْتَقْبِلُ أَبَا الْعَاصِ عَلَىَ أَبْوَابِ مَكَّةَ ، فَقَالَ لَهَا حِيْنَ رَآَهَا: إِنِّيَ رَاحِلٌ.
فَقَالَتْ: إِلَىَ أَيْنَ؟ قَالَ: لَسْتُ أَنَا الَّذِيْ سَيَرْتَحِلُ، بَلْ أَنْتَ سَتَرْحَلِيْنْ إِلَىَ أَبِيَكَ .
فَقَالَتْ: لَمْ؟ قَالَ: لِلْتَّفْرِيْقِ بَيْنِيْ وَبَيْنَكَ. فَارْجِعِيْ إِلَىَ أَبِيَكَ. فَقَالَتْ: فَهَلْ لَكَ
أَنَّ تُرَافِقُنِيْ وَتُسْلِمُ؟ فَقَالَ: لَا
فَأَخَذْتُ وَلَدِهَا وَابْنَتِهَا وَذَهَبَتْ إِلَىَ الْمَدِيْنَةِ.
وَبَدَأَ الْخَطَّابِ يَتَقَدَّمُونَ لِخِطْبَتِهَا عَلَىَ مَدَىْ
6 سَنَوَاتٍ، وَكَانَتْ تَرْفِضْ عَلَىَ أَمَلِ أَنْ يَعُوْدَ إِلَيْهَا زَوْجُهَا.
وَبَعْدَ 6 سَنَوَاتٍ كَانَ أَبُوْ الْعَاصِ قَدْ خَرَجَ بِقَافِلَةٍ مِنَ مَكَّةَ إِلَىَ الْشَّامِ، وَأَثْنَاءَ سَيْرِهِ يَلْتَقِيَ مَجْمُوْعَةٌ مِنْ الْصَّحَابَةِ.
فَسَأَلَ عَلَىَ بَيْتِ زَيْنَبَ وَطُرُقٍ بَابُهَا قُبَيْلَ آَذَانٌ الْفَجْرِ، فَسَأَلْتُهُ حِيْنَ
رَأَتْهُ: أَجِئْتَ مُسْلِما ؟قَالَ: بَلْ جِئْتُ هَارِبا. فَقَالَتْ: فَهَلْ لَكَ إِلَىَ أَنْ تُسْلِمُ؟ فَقَالَ: لَا .
قَالَتْ: فَلَا تَخَفْ. مَرْحَبا بِابْنِ الْخَالَةِ. مَرْحَبا بِأَبِيْ عَلَيَّ وَأُمَامَةُ
وَبَعْدَ أَنْ أُمَّ الْنَّبِيِّ الْمُسْلِمِيْنَ فِيْ صَلَاةِ الْفَجْرِ، إِذَا بِصَوَتَ يَأْتِيَ مِنْ آَخِرِ الْمَسْجِدِ:
قَدْ أَجَرْتِ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيْعِ. فَقَالَ الْنَّبِيُّ: هَلْ سَمِعْتُمْ مَا سَمِعْتُ؟
قَالُوْا: نَعَمْ يَارَسُوْلَ الْلَّهِ .
قَالَتْ زَيْنَبُ: يَا رَسُوْلَ الْلَّهِ إِنَّ أَبَا الْعَاصِ إِنَّ بَعُدَ فَابْنُ الْخَالَةِ وَإِنْ قَرَّبَ فَأَبُو
الْوَلَدِ وَقَدْ أُجْرَتَهُ يَا رَسُوْلَ الْلَّهِ. فَوَقَفَ الْنَّبِيُّ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: يَا أَيُّهَا
الْنَّاسِ إِنَّ هَذَا الْرَّجُلُ مَا ذَمَمْتُهُ صِهْرا.
وَإِنَّ هَذَا الْرَّجُلَ حَدَّثَنِيْ فَصَدَقَنِي وَوَعَدَنِي فَوَفَّى لِيَ.
فَإِنَّ قَبِلْتُمُ أَنَّ تَرُدُّوْا إِلَيْهِ مَالُهُ وَأَنَّ تَتْرُكُوْهُ يَعُوْدُ إِلَىَ بَلَدِهِ فَهَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ.
وَإِنُّ أَبَيْتُمْ فَالأَمْرُ إِلَيْكُمْ وَالْحَقُّ لَكُمْ وَلَا أَلُوُمَكُمْ عَلَيْهِ
فرَجَعَ أَبُوْ الْعَاصِ بِالْمَالِ إِلَىَ مَكَّةَ وَأَعَادَ لِكُلِّ ذِىْ حَقٍّ حَقَّهُ، ثُمَّ أَعْلَنَ إِسْلَامَهُ عَلَىَ الْمَلِأِ ثُمَّ قَالَ:" أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الْلَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدَ عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، وَالْلَّهِ مَا مَنَعَنِيْ مِنْ الْإِسْلَامِ
إِلَّا أَنَّ تَظُنُّوْا أَنِّيْ إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ آِكُلَ
أَمْوَالَكُمْ، فَلَمّا أَدّاهَا الْلَّهُ إِلَيْكُمْ فَرَغْتَ مِنْهُمْ
وَأَسْلَمْتُ".
جَمْعٍ أَبُوْ الْعَاصِ أَغْرَاضِهِ وَعَادٍ إِلَىَ يَثْرِبَ قَاصِدا مَسْجِدٍ ا لْرَّسُوْلِ
صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا بِالْرَّسُوْلِ صَلَّىَ
الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ يَفْرَحُوْنَ بِعَوْدَتِهِ،
لِيُكْمِلَ فَرْحَتِهِمْ تِلْكَ بِالْإِسْلَامِ. وَبَعْدَ إِسْلَامُ أَبِيْ
الْعَاصِ أَعَادَ الْرَّسُوْلِ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
زَيْنَبَ إِلَيْهِ بِنِكَاحِهِ الْأَوَّلُ وَقِيْلَ أَنَّهُ أُعِيْدُ
إِلَيْهَا بِنِكَاحٍ جَدِيْدُ وَعَاشَا مِنْ جَدِيْدٍ مَعَا ً
وَالْإِسْلَامِ يَجْمَعُهُمَا
وَفَاةِ الْسَيِدَةِ زَيْنَبْ
{رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا}
*
بَعْدَ عَامٍ مِنْ الْتَّمَامِ شَمْلَ الْزَّوْجَيْنِ أَبِيْ الْعَاصِ وَالْسَّيِّدَةُ زَيْنَبْ
{رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا}، وَبَعْدَ أَنْ عَاشَا حَيَاةً كَرِيْمَةً
سَعِيْدَةً فِيْ دَارِ الْإِسْلَامِ مَعَ وَلَدَيْهَا أُمَامَةَ وَعَلَيَّ،
بَدَأَ الْمَرَضِ يِزَدْادْ عَلَىَ الْسَيِّدَةُ زَيْنَبْ {رَضِيَ
الْلَّهُ عَنْهَا}. وَظَلَّتْ زَيْنَبْ لَازِمَةٌ الْفِرَاشِ فَتْرَةً
طَوِيْلَةً مِنْ أَثَرٍ مَا تَعَرَّضَتْ لَهُ مِنْ قَبْلِ هَبّارُ بْنُ
الْأَسْوَدِ، وَهِيَ فِيْ طَرِيْقِهَا إِلَىْ يَثْرِبَ لِلْهِجْرَةِ.
وَلَمْ تَسْتَطِعْ الْأَدْوِيَةِ أَنْ تُخَفِّفَ مِنْ مَرَضٍ زَيْنَبْ فَسَلَّمْتُ أَمْرَهَا لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىْ.
فِيْ الْعَامِ الْثَّامِنِ لِلْهِجْرَةِ تُوُفِّيَتْ الْسَيِدَةِ زَيْنَبْ
{رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا}، وَحُزْنٍ رَسُوْلُ الْلَّهِ حُزْنِا
عَظِيْمَا،ً وَحُزْنٍ مَعَهُ زَوْجُهَا أَبُوْ الْعَاصِ الَّذِيْ وَافَتْهُ
الْمَنِيَّةُ بَعْدَ 4 سَنَوَاتٍ مِنْ وَفَاةِ زَيْنَبْ{رَضِيَ الْلَّهُ
عَنْهَا}
ثَانِيا: الْسَّيْدِه رُقِيِّهِ
{ رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا}
****
هِيَ رُقِيّةِ بِنْتُ مُحَمَّدٍ
بْنِ عَبْدِ الْلَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ بَنِتُ
رَسُوْلُ الْلَّهِ صلى الله عليه وسلم أُمِّهَا خَدِيْجَةُ بِنْتُ
خُوَيْلِدٍ، وُلِدَّتَ بَعْدَ زَيْنَبْ، أَسْلَمْتُ مَعَ أُمِّهَا
وَأَخَوَاتُهَا، هَاجَرَتْ الْهِجْرَتَيْنِ إِلَىَ الْحَبَشَةِ أَوَّلَا
ثُمَّ إِلَىَ الْمَدِيْنَةِ ثَانِيَةً،وَنَشَأَتْ قَبْلَ بَعْثَةِ
الْرَّسُوْلِ صلى الله عليه وسلم . وَقَدْ اسْتُمِدَّتْ رُقْيَةٌ رَضِيَ
الْلَّهُ عَنْهَا كَثِيِرَا مِنْ شَمَائِلِ أُمِّهَا، وتَمَثَّلْتِهَا
قَوْلَا وَفِعْلَا فِيْ حَيَاتُهَا مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ تَنَفَّسَ فَيِهِ
صُبْحٍ الْإِسْلَامِ، إِلَىَ أَنْ كَانَتْ رِحْلَتَهَا الْأَخِيرَةِ
إِلَىَ الْلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
زَوَاجٌ الْسَّيْدِه رُقِيِّهِ قَبْلَ الْنُّبُوَّهَّ
{رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا}
***
لَمْ يَمْضِ عَلَىَ
زَوَاجِ زَيْنَبَ الْكُبْرَىَ غَيْرَ وَقْتٍ قَصِيْرٍ، إِلَا وَطُرُقٍ
بَابُ خَدِيْجَةَ وَمُحَمَّدُ، وَفْدِ مِنْ آَلِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ،
جَاءَ يَخْطُبُ رُقْيَةٌ وَأُخْتَهَا الَّتِيْ تُصَغِّرُهُا قَلِيْلا
لشَابِينَ مِنْ أَبْنَاءِ الْأَعْمَامِ وَهُمَا (عُتْبَةَ وَعُتَيْبَةَ)
وَلَدا أَبِيْ لَهَبٍ عَمَّ الْرَّسُوْلِ.
وَأَحَسَّتْ رُقْيَةٌ وَأُخْتَهَا انْقِبَاضَا لَدَىَّ أُمِّهِمَا خَدِيْجَةَ، فَالأُمُّ تَعْرِفُ مَنْ تَكُوْنُ أُمَّ الْخَاطِبَيْنَ زَوْجَةً أَبِيْ لَهَبٍ، وَلَعَلَّ كُلَّ بُيُوْتِ مَكَّةَ تَعْرِفُ مَنْ هِيَ أُمٌّ جَمِيْلٍ بِنْتُ حَرْبِ ذَاتْ الْقَلْبِ الْقَاسِيْ وَالْطَّبْعِ الْشَّرِسُ وَالْلِّسَانِ الْحَادِّ.
وَلَمْ
تَشَأْ خَدِيْجَةَ أَيْضا أَنْ تُعَكِّرَ عَلَىَ زَوْجِهَا
طُمَأْنِيْنَتُهُ وَهُدُوّءْهْ بِمَخاوفُهَا مِنْ زَوْجَةٍ أَبِيْ لَهَبٍ
وَتَمَّتْ الْمُوَافَقَةِ، وَبَارِكْ مُحَمَّدٍ ابْنَتَيْهِ، وَأَعْقَبَ
ذَلِكَ فَرْحَةٌ الْعُرْسِ وَانْتَقَلْتُ الْعَرُّوُسَانَ فِيْ حِرَاسَةِ الْلَّهِ إِلَىَ بَيْتِ آَخَرَ وَجَوٍّ جَدِيْدٍ.
وَدَخَلَتْ رُقْيَةٌ مَعَ أُخْتِهَا أُمِّ كُلْثُوْمٍ بَيْتِ الْعَمِّ،
وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ مُكَوْثِهِمَا هُنَاكَ طَوَيْلَا فَمَا كَادَ
رَسُوْلِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ يَتَلَقَّىْ
رِسَالَةٍ رَبِّهِ، وَيَدْعُوَ إِلَىَ الْدِّيْنِ الْجَدِيْدِ، وَرَاحَ
سَيِّدِنَا رَسُوْلِ الْلَّهِ، يَدْعُوَ إِلَىَ
الْإِسْلَامِ سَرَّا، وَعِنْدَمَا عَلِمَ أَبُوْ لَهَبٍ بِذَلِكَ أَخَذَ
يَضْحَكُ وَيَسْخَرُ مِنْ رَّسُوْلٍ الْلَّهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَىَ الْبَيْتِ، وَشَارَكَتْ أَمْ جَمِيْلٌ زَوْجَهَا فِيْ سُخْرِيَّتَهُ وهْزِئِهُ.
لَاوَلَكِنْ
الْقُرْآَنُ الْكَرِيْمِ تَنَزَّلُ عَلَىَ الْحَبِيْبِ الْمُصْطَفَىَ
يُشِيْرُ إِلَىَ الْمَصِيرُ الْمَشْؤُومُ لِأُمِّ جَمِيْلٍ بِنْتُ حَرْبِ،
وَزَوْجُهَا الْمَشْؤُومُ أَبِيْ لَهَبٍ،
قال تعالى : { تَبَّتۡ يَدَا أَبِى لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2)
سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5) }
وَكَانَتْ
رُقَيَّةُ وَأُمُّ كُلِّثَوِمَ فِيْ كَنَفِ ابْنِيْ عَمَّهُمَا، لَمَّا
نَزَلَتْ سُوْرَةُ ، ثُمَّ أُرْسِلَ أَبِو لَهَبٍ وَلَدَيْهِمَا عُتْبَةَ
وَعُتَيْبَةَ وَقَالَ لَهُمَا: إِنَّ مُحَمَّدا قَدْ سَبَّهُمَا، ثُمَّ
الْتَفَّ أَبُوْ لَهَبٍ إِلَىَ وَلَدِهِ عُتْبَةَ وَقَالَ فِيْ غَضَبٍ:
رَأْسِيٌّ مِنْ رَأْسِكَ حَرَامْ إِنْ لَمْ تُطَلَّقِ ابْنَةَ مُحَمَّدٍ؛
فَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا.
وَأَمَّا
عُتَيْبَةَ، فَقَدْ اسْتَسْلَمَ لِثَوْرَةِ الْغَضَبُ وَقَالَ فِيْ
ثَوْرَةِ وَاضْطِرَابٍ: لَآَتِيَنَّ مُحَمَّدا فَلَأُوذِيَنَّهُ فِيْ
رَبِّهِ. وَانْطَلَقَ عُتَيْبَةَ بْنِ أَبِيْ لَهَبٍ إِلَىَ رَسُوْلِ الْلَّهِ
صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَتَمَهُ وَرَدَّ عَلَيْهِ
ابْنَتَهُ وَطَلَّقَهَا، فَقَالَ رَسُوْلُ الْلَّهِ"الْلَّهُمَّ سَلِّطْ
عَلَيْهِ كَلَبْا مِنْ كِلَابِكَ" وَاسْتَجَابَتْ دَعْوَةَ الْرَّسُوْلِ
صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ، فَأَكَلَ الْأَسَدُ عُتَيْبَةَ فِيْ
إِحْدَىَ أَسْفَارِهِ إِلَىَ الْشَّامِ.
زَوَاجٌ الْسَّيْدِه رُقْيَةٌ مِنْ عُثْمَانَ
{رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَما}
****
شَاءَتْ
قُدْرَةِ الْلَّهِ لِرُقِيّةٌ أَنَّ تَرْزُقُ بَعْدَ صَبْرِهَا زَوْجَا
صَالِحَا كَرِيْمَا مِنْ الْنَّفَرِ الثَّمَانِيَةَ الَّذِيْنَ سَبَقُوَا
إِلَىَ الْإِسْلَامِ، وَأَحَدُ الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرِيْنَ
بِالْجَنَّةِ، ذَلِكَ هُوَ (عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ)وَمَا كَانَ
الْرَّسُوْلُ الْكَرِيمُ لَيَبْخَلُ عَلَىَ صَحَابِيّ مِثْلَ عُثْمَانَ
بِمُصَاهَرَتِهِ، وَسَرَعَانُ مَا اسْتَشَارَ ابْنَتَهُ، فَفَهِمَ مِنْهَا
الْمُوَافَقَةِ عَنْ حُبْ وَكَرَامَةً، وَتَمَّ لِعُثْمَانَ نُقِلَ
عُرْوَسُهُ إِلَىَ بَيْتِهِ، وَسَعِدَتْ رُقْيَةٌ رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا
بِهَذَا الْزَّوَاجِ مِنْ الْتَّقِيُّ الْنَّقِيُّ عُثْمَانَ بْنِ
عَفَّانِ رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهُ، وَوَلَدَتْ رُقْيَةٌ غُلَامَا مِنْ
عُثْمَانَ فَسَمَّاهُ عَبْدَ الْلَّهِ، وَاكْتَنَى بِهِ وَبَلَّغَ سَتُّ
سِنِيْنَ ثُمَّ تُوُفِّيَ.
هَجَرَه الْسَّيْدِه رُقْيَةٌ مَعَ عُثْمَانَ الَىَّ الْحَبَشَةِ
عِنْدَمَا أَذِنَ الْلَّهُ لِلْمُسْلِمِيْنَ بِالْهِجْرَةِ الَىَّ الْحَبَشَةِ، هَاجَرَتْ رُقْيَةٌ بَنِتُ رَسُوْلُ الْلَّهِ
-صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَزَوْجُهَا عُثْمَانَ بْنِ
عَفَّانَ الَىَّ الْحَبَشَةِ،فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدُالْلَّهِ هُنَاكَ
فَكَانَ يُكَنَّى بِهِ
قَالَ عَلَيْهِ الْسَّلامُ: (إِنَّهُمَا لَأَوَّلُ مَنْ هَاجَرَ إِلَىَ الْلَّهِ بَعْدَ لُوْطٍ)
الْعَوْدَةِ إِلَىَ مَكَّةَ
****
وُصِلَتْ
إِلَىَ الْحَبَشَةِ شَائِعَاتٍ كَاذِبَةٍ، تَتَحَدَّثُ عَنْ إِيْمَانٍ
قُرَيْشٍ بِمُحَمَّدٍ، فَلَمْ يَقْوَ بَعْضٍ الْمُهَاجِرِيْنَ عَلَىَ
مُغَالَبَةِ الْحَنِيْنِ الْمُسْتَثَارِ، وَسَرَعَانُ مَا سَارُوْا فِيْ
رَكْبٍ مُتَّجِهِيْنَ نَحْوَ مَكَّةَ، وَيَتَقَدَّمُهُمْ عُثْمَانَ
وَرَقِيَّةٌ، فَمَا أَنْ بَلِّغُوْا مَشَارِفِ مَكَّةَ، حَتَّىَ أَحَاطَتْ
بِهِمْ صَيْحَاتَ الْوَعِيْدِ وَالْهَلاكُ.
وَطَرَقْتُ رُقْيَةٌ بَابُ أَبِيْهَا تَحْتَ جُنْحِ الْظَّلامِ، وَمَا أَنْ
فَتَحَ الْبَابَ حَتَّىَ تُعَانِقَ الْأَحِبَّةِ، وَانْهَمَرَتْ دُمُوْعُ
الْلِقَاءِ. وَأَقْبَلَ مُحَمَّدُ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ
نَحْوَ ابْنَتَهُ يَحْنُوْ عَلَيْهَا وَيُسَعِفَهَا لِتَثُوبَ إِلَىَ
الْسَّكِينَةَ وَالْصَّبْرُ، فَالأُمُّ خَدِيْجَةُ قَدْ قَاسَتْ مَعَ رَسُوْلِ الْلَّهِ
وَآَلُ هَاشِمٍ كَثِيْرا مِنَ الاضْطِهَادِ مَعَ أَنَّهَا لَمْ
تُهَاجِرْ، وَقَدْ أَلْقَاهَا الْمَرَضِ طَرِيْحَةَ الْفِرَاشِ،
لَتَوَدِّعَ الْدُّنْيَا وَابْنَتِهَا مَا تَزَالُ غَائِبَةٍ فِيْ
الْحَبَشَةِ.
عَوْدَةُ رُقْيَةٌ إِلَىَ الْحَبَشَةِ
****
ذَهَبَتْ رُقِيِّهِ وَعُثْمَانَ إِلَىَ
رَسُوْلِ الْلَّهِ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ
يَسْتَأْذِنُونَهُ فِيْ الْهِجْرَةِ إِلَىَ الْحَبَشَةِ فَأَذِنَ لَهُمْ،
فَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِىَ الْلَّهُ عَنْهُ: يَا رَسُوْلَ
الْلَّهِ، فَهَجْرْتِنا الْأُوْلَىْ وَهَذِهِ الْآَخِرَةِ إِلَىَ
الْنَّجَاشِيِّ، وَلَسْتُ مَعَنَا. فَقَالَ رَسُوْلُ الْلَّهِ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ :" أَنْتُمْ مُهَاجِرُوْنَ إِلَىَ الْلَّهِ وَإِلَيَّ، لَكُمْ هَاتَانِ الْهِجْرَتَيْنِ جَمِيْعَا". فَقَالَ عُثْمَانُ: فَحَسْبُنَا يَا رَسُوْلَ الْلَّهِ
وَبِهَذَا تَنْفَرِدُ رُقْيَةٌ ابْنَةَ رَسُوْلِ الْلَّهِ
بِأَنَّهَا الْوَحِيدَةْ مِنْ بَنَاتِهِ الطَّاهِرَاتِ الَّتِيْ تُكْتَبُ
لَهَا الْهِجْرَةُ إِلَىَ بِلَادِ الْحَبَشَةِ،وَمَنْ ثُمَّ عُدْتُ مِنَ
أَصْحَابِ الْهِجْرَتَيْنِ
وَفَّاهُ ابْنُ الْسَّيْدِه رُقِيِّهِ
****
وَمَاتَ ابْنُ رُقْيَةٌ، بَعْدَ أَنْ بَلَغَ سِتَّ سِنِيْنٍ وَمَاتَ بَعْدَ أَنْ نُقِرَّ الْدِّيْكُ وَجْهَهُ(عَيْنِهِ)،
فَتَوَرَّمَ وَطَمَرَ وَجْهَهُ وَمَرِضَ ثُمَّ مَاتَ، وَبَكَّتَهُ
أُمُّهُ وَأَبُوْهُ، وَافْتَقَدَ جَدِّهِ بِمَوْتِهِ ذَلِكَ الْحَمَلِ
الْوَدِيعِ الَّذِيْ كَانَ يَحْمِلُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ كُلَّمَا زَارَ
بَيْتِ ابْنَتَهُ، وَلَمْ تَلِدْ رُقْيَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَفَّاهُ الْسَّيْدِه رُقِيِّهِ
****
وَلَمْ
يَكُنْ لِرُقِيّةٌ سِوَىْ الْصَّبْرِ وَحُسْنُ الْتَّجَمُّلِ بِهِ،
وَلَكِنَّ كَثْرَةَ مَا أَصَابَهَا فِيْ حَيَاتُهَا مِنْ مَصَائِبَ عِنْدَ
أُمِّ جَمِيْلٍ، وَفِيْ الْحَبَشَةِ، كَانَ لَهَا الْأَثَرْ فِيْ أَنْ
تَمْتَدَّ إِلَيْهَا يَدُ الْمَرَضِ وَالْضَّعْفِ، وَلَقَدْ آَنَ
لِجِسْمِها أَنَّ يَسْتَرِيْحُ عَلَىَ فِرَاشٍ أَعَدَّهُ لَهَا زَوْجُهَا
عُثْمَانَ، وَجَلَسَ بِقُرْبِهَا الْزَّوْجِ الْكَرِيْمِ يُمْرِضُهَا
وَيَرْعَاهَا،
وَكَانَ مَرَضٌ رُقْيَةٌ رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا الْحَصْبَةِ، ثُمَّ
بَعْدَ صِرَاعَهَا مَعَ هَذَا الْمَرَضُ، لَحِقَتْ رُقْيَةٌ بِالْرَّفِيْقِ
الْأَعْلَىَ، وَكَانَتْ أَوَّلَ مَنْ
لَحِقَ بِأُمِّ الْمُؤْمِنِيْنَ خَدِيْجَةَ مِنْ بَنَاتِهَا، لَكِنْ
رُقْيَةٌ تُوُفِّيَتْ بِالْمَدِيْنَةِ، وَخَدِيْجَةُ تُوُفِّيَتْ بِمَكَّةَ
قَبْلَ بِضْعِ سِنِيْنَ، وَلَمْ تَرَهَا رُقْيَةٌ، وَتُوُفِّيَتْ
رُقْيَةٌ، وَلَمْ تَرَ أَبَاهَا رَسُوْلُ الْلَّهِ، حَيْثُ كَانَ بِبَدْرٍ
مَعَ أَصْحَابِهِ الْكِرَامِ، يَعْلُوْنَ كَلِمَةُ الْلَّهِ، فَلَمْ
يَشْهَدْ دَفَنَهَا صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حَتَّىَ إِذَا بَلَغَتْ الْجِنَازَةِ الْبَقِيعِ، دُفِنَتْ رُقْيَةٌ
هُنَالِكَ، فِيْ رِوَايَةِ ابْنِ سَعْدٍ: قَالَ: لَمَّا مَاتَتْ رُقَيَّةُ
بِنْتُ رَسُوْلِ الْلَّهِ، قَالَ:
"أَلْحَقيّ بِسَلَفِنَا عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُوْنٍ" فَبَكَتْ الْنِّسَاءُ عَلَيْهَا؛ فَجَعَلَ عُمَرُ يَضْرِبُهُنَّ بِسَوْطِهِ.
فَأَخَذَ الْنَّبِيُّ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ بِيَدِهِ، وَقَالَ:
" دَعْهُنَّ يَبْكِيْنَ"، ثُمَّ قَالَ:
" ابْكِيَنَّ، وَإِيَّاكُنَّ وَنَعِيْقَ الْشَّيْطَانِ؛ فَإِنَّهُ مَهْمَا يَكُنْ مِنَ الْقَلْبِ وَالْعَيْنِ فَمِنَ الْلَّهِ وَالْرَّحْمَةِ، وَمُهَمَّا يَكُنْ مِنَ الْيَدِ وَالْلِّسَانِ فَمِنَ الْشَّيْطَانِ".
ثَالِثا:الْسَّيْدِه امْ كُلْثُوْمٍ
{رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا}
هِيَ امْ كُلْثُوْمٍ بِنْتُ مُحَمَّدٍ بْنِ عَبْدِ الْلَّهِ
بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ، أُمِّهَا الْسَّيِّدَةُ
خَدِيْجَةَ قِيَلَ أَنَّهَا وُلِدَتْ بَعْدَ رُقْيَةٌ، وَأَسْلَمْتُ مَعَ
أُمِّهَا وَأَخَوَاتُهَا، تَزَوَّجَهَا عُتَيْبَةَ بْنِ أَبِيْ لَهَبٍ
قَبْلَ الْبَعْثَةِ وَلَمْ يَدْخُلِ عَلَيْهَا، كَمَا تَزَوَّجَ أَخَاهُ
عُتْبَةَ رُقِيّـةٍ بَعْدَ الْبِعْثَةِ وَلَمْ يَدْخُلِ عَلَيْهَا أَيْضَا.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: خَرَجَتْ أُمُّ كُلْثُوْمٍ إِلَىَ الْمَدِيْنَةِ
لَمَّا هَاجَرَ الْنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَعَ فَاطِمَةَ وَغَيْرِهَا
مِنَ عُيَالْ الْنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَتَزَوَّجَهَا عُثْمَانَ
بَعْدَ مَوْتِ أُخْتِهَا رُقْيَةٌ فِيْ رَبِيْعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ
ثَلَاثٍ مَنْ الْهِجْرَةِ، ، وَمَاتَتْ عِنْدَهُ فِيْ شَعْبَانَ سَنَةَ تِسْعَ، وَلَمْ تَلِدْ لَهُ.
قُدُوَمْ الْسَّيْدِه امْ كُلْثُوْمٍ الْمَدِيْنَةِ
{رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا}
****
اسْتَقْبَلَ الْرَّسُوْلُ صلى الله عليه وسلم
ابْنَتَيْهِ أَمْ كُلْثُوْمٍ وَفَاطِمَةُ وَزَوْجِهِ سَوْدَةُ بِنْتُ
زَمْعَةَ بِكُلِّ شَوْقٍ وَحَنَانِ، وَيَأْتِيَ بِهِنَّ إِلَىَ دَارِهِ
الَّتِيْ أَعَدَّهَا لِأَهْلِهِ بَعْدَ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ الْنَّبَوِيِّ
الْشَّرِيفِ، وَيَمْضِيَ عَلَىَ أُمِّ كُلْثُوْمٍ فِيْ بَيْتِ أَبِيْهَا
عَامَانِ حَافُلَانَ بِالْأَحْدَاثِ
زَّوَاجِ الْسَّيْدِه امْ كُلْثُوْمٍ
{رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا}
بَعْدَ
أَنْ تُوُفِّيَتْ رُقِيّـةُ بِنْتُ رَسّـوَلَ الَلَّـهِ صلى الله عليه
وسلم وَمَضَتْ الْأَحْزَانُ وَالْهُمُوْمَ، يُزَوِّجُ رَسُوْلُ الْلَّهِ
صلى الله عليه وسلم عُثْمَانَ بْنِ عَفَانَ مِنْ أُمِّ كُلْثُـوَمَ
فَيَتَبَدَّلِ الْحَالِ وَتَمْضِيَ سُنَّةَ الْحَيَاةِ...
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُوْلِ الْلَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:
(أَتَانِيَ جِبْرِيْلُ فَقَالَ: (إِنَّ الْلَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَزَوَّجَ
عُثْمَانُ أَمْ كُلْثُوْمٍ عَلَىَ مِثْلِ صَدَاقٍ رُقْيَةٌ وَعَلَىَ
مِثْلِ صُحْبَتِهَا).
وَأَصْبَحَ عُثْمَانَ ذَا الْنُّوْرَيْنِ، وَكَانَ هَذَا الْزَّوَاجِ فِيْ
رَبِيْعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ ثَلَاثٍ مِنَ الْهِجْرَةِ. وَعَاشَتْ أَمْ
كُلْثُوْمٍ عِنْدَ عُثْمَانَ وَلَكِنْ لَمْ تَلِدْ لَهُ.
وَفَاه الْسَّيْدِه امْ كُلْثُوْمٍ
{رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا}
تُوُفِّيَتْ أَمُّ كُلْثُوْمٍ -رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا- فِيْ شَهْرِ شَعْبَانَ سَنَةَ تِسْعَ مِنَ الْهِجْرَةِ.
وَقَدْ جَلَسَ الْرَّسُوْلُ صلى الله عليه وسلم عَلَىَ قَبْرِهَا وَعَيْنَاهُ تَدْمَعَانِ حُزْنِا عَلَىَ ابْنَتِهِ الْغَالِيَةِ.
فَرَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا.
رَابِعا:الْسَّيْدِه فَاطِمَهْ الْزَّهْرَاءِ
{رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا}
هِيَ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ بْنُ عَبْدَا لِلَّهِ بْنِ هَاشِمٍ و(أُمَّ الْحَسَنَيْنِ)
وَصُغْرَى بَنَاتِهِ وَهِيَ أَيْضا ابْنَةَ خَدِيْجَةُ أَوَّلُ الْنِّسَاءِ إِيْمَانا بِالْإِسْلَامِ .
وَلَقَدْ شَاءَ الْلَّهُ أَنْ يَقْتَرِنَ مُوَلِّدُ فَاطِمَةَ فِيْ يَوْمِ
الْجُمُعَةِ الْمُوَافِقُ لِلْعِشْرِيْنَ مِنْ جُمَادَىْ الْآَخِرَةِ فِيْ
الْسَّنَةِ الْخَامِسَةِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ بِقَلِيْلٍ بِالْحَادِثِ
الْعَظِيْمِ الَّذِيْ ارْتَضَتْ فِيْهِ قُرَيْشٌ (مُحَمَّدا) حُكْما لَمَا
اشْتَدَّ الْخِلَافِ بَيْنَهُمْ حَوْلَ وَضْعِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ
بَعْدَ تَجْدِيْدِ بَنَّاءً الْكَعْبَةِ، وَكَيْفَ اسْتَطَاعَ عَلَيْهِ
الْصَّلاةُ وَالْسَّلامُ بِرَجَاحَةِ عَقْلِهِ أَنْ يَحِلَّ الْمُشْكِلَةَ
وَيُنْقِذُ قُرَيْشٍ مِمَّا كَانَ يَتَهَدَّدُهَا مِنَ حَرْبٍ وَعَدَاوَةِ
بَيْنَ الْأَهْلِ وَالْعَشِيرَةِ.
حَمْلٍ الْأَبِ الْحَانِيَ ابْنَتَهُ الْمُبَارَكَةِ يُهَدْهِدُهَا
وَيُلاطِفَهَا، وَكَانَتْ فَرْحَةَ خَدِيْجَةَ كَبِيْرَةً بِبَشَاشَتُهُ ،
وَهُوَ يَتَلَقَّىْ الْأْنْثَى الْرَّابِعَةَ فِيْ أَوْلَادِهِ، وَلَمْ
يَظْهَرْ عَلَيْهِ غَضَبُ وَلَا أَلَمٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُرْزَقْ ذِكْرا
وَكَانَتْ فَرِحَةً
خَدِيْجَةَ اكْبَرُ
حِيْنَ وَجَدْتُ مَلَامِحْ ابْنَتِهَا تُشْبِهُ مَلَامِحْ أَبِيْهَا،
وَقَدْ اسْتَبْشَرَ الْرَّسُوْلُ بِمَوْلِدِهَا فَهِيَ الْنَّسَمَةُ
الْطَّاهِرَةُ الَّتِيْ سَيَجْعَلُ الْلَّهُ نَسْلَهُ مِنْهَا .
وَعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِيْنَ رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا
قَالَتْ :مَا رَأَيْتُ أَحَدا مِنْ خَلْقِ الْلَّهِ أَشْبَهَ بِرَسُوْلِ
الْلَّهِ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فَاطِمَةَ.
وَقَدْ كَانَ تَسْمِيَتِهَا فَاطِمَةَ بِإِلْهَامٍ مِنَ الْلَّهِ
تَعَالَىْ,, فَقَدْ رَوَىَ الدَّيْلَمِيِّ عَنْ أَبِىْ هُرَيْرَةَ رَضِيَ
الْلَّهُ عَنْهُ عَنْ عَلَيَّ أَنَّهُ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ قَالَ
:"إِنَّمَا سُمِّيَتْ فَاطِمَةُ؛ لِأَنَّ الْلَّهَ فَطَمَهَا وَحَجْبِهَا مَنْ الْنَّارِ ".
تَرَعْرَعَتْ فَاطِمَةَ فِيْ بَيْتِ الْنُّبُوَّةِ الْرَّحِيْمِ،
وَالتَّوْجِيْهِ الْنَّبَوِيِّ الْرَّشِيْدُ، وَبِذَلِكَ نَشْأَةً عَلَىَ
الْعِفَّةِ وَعِزَّةٌ الْنَّفْسَ وَحُسْنَ الْخُلُقُ ،مُتُّخَذَتا أَبَاهَا
رَسُوْلُ الْلَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَثَلَ الْأَعْلَىَ لَهَا وَالْقُدْوَةُ الْحَسَنَةِ فِيْ جَمِيْعِ تَصَرّفُاتُهَا.
وَمَا كَادَتِ الْزَّهْرَاءِ أَنْ تَبْلُغَ الْخَامِسَةُ حَتَّىَ بَدَأَ الْتَّحَوُّلِ الْكَبِيْرِ فِيْ حَيَاةِ
أَبِيْهَا
بِنُزُوْلِ الْوَحْيِ عَلَيْهِ، وَكَانَ مِنْ أَشَدِّ مَا قَاسَتْهُ مِنْ
آَلَامٍ فِيْ بِدَايَةِ الْدَّعْوَةِ ذَلِكَ الْحِصَارَ الْشَّدِيْدُ
الَّذِيْ حُوْصِرَ فِيْهِ الْمُسْلِمُوْنَ مَعَ بَنِيَّ هَاشِمٍ فِيْ
شِعْبٍ أَبِيْ طَالِبٍ، وَّأَقَامُوْا عَلَىَ ذَلِكَ ثَلَاثَةِ سَنَوَاتِ،
فَلَمْ يَكُنْ الْمُشْرِكُوْنَ يَتْرُكُوْنَ طَعَاما يَدْخُلُ مَكَّةَ
وَلَا بِيَعا إِلَا وَاشْتَرُوهُ، حَتَّىَ أَصَابَ الْتَّعَبِ بَنِيَّ
هَاشِمٍ وَاضْطَرُّوا إِلَىَ أَكْلِ الْأَوْرَاقِ وَالْجُلُوْدُ، وَكَانَ
لَا يَصِلُ إِلَيْهِمْ شَيْئا إِلَا مُسْتَخْفِيَا، وَمَنْ كَانَ يُرِيْدُ
أَنْ يَصِلَ قَرِيْبا لَهُ مِنْ قُرَيْشٍ كَانَ يَصِلُهُ سَرَّا.
وَقَدْ أَثَّرَ الْحِصَارِ وَالْجُوْعِ عَلَىَ صِحَّةِ فَاطِمَةَ، وَلَكِنَّهُ زَادَهَا إِيْمَانَا وَنُضَجَا.
وَمَا
كَادَتِ فَاطِمَةَ الْصَّغِيْرَةِ تَخْرُجُ مِنْ مِحْنَةٍ الْحِصَارِ
حَتَّىَ فُوُجِئْتُ بِوَفَاةِ أُمِّهَا خَدِيْجَةَ فَامْتَلَأَتْ
نَفْسَهَا حُزْنِا وَأَلَمَّا، وَوَجَدْتُ نَفْسَهَا أَمَامَ
مَسْؤُوْلِيَّاتُ ضَخْمَةٌ نَحْوَ أَبِيْهَا الْنَّبِيِّ الْكَرِيمِ،
وَهُوَ يَمُرُّ بِظُرُوْفٍ قَاسِيَةً خَاصَّةً بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجَتِهِ
وَعَمَّهُ أَبِيْ طَالِبٍ.
فَمَا كَانَ مِنْهَا إِلَا أَنْ ضَاعَفْتَ الْجَهْدَ وَتَحَمَّلْتُ
الْأَحْدَاثِ فِيْ صَبْرٍ، وَوَقَفْتُ إِلَىَ جَانِبِ أَبِيْهَا
لِتَقَدُّمِ لَهُ الْعِوَضُ عَنْ أُمِّهَا وَزَوْجَتُهُ وَلِذَلِكَ كَانَتْ
تُكَنَّى بِـ "أَمْ أَبِيْهَا".
تَفْضِيْلُ الْسَّيْدِه فَاطِمَهْ الْزَّهْرَاءِ
{رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا}
لَقَدْ
جَلَّلَ الْنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَاطِمَةَ وَزَوْجَهَا
وَابْنَيْهَا الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنِ بِكِسَاءٍ وَقَالَ: (الْلَّهُمَّ
هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِيَ، الْلَّهُمَّ فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الْرِّجْسَ
وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيْرَا).
كَمَا قَالَ لَهَا: (يَا فَاطِمَةُ: أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُوْنِيْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِيْنَ).
كَمَا قَالَ الْرَّسُوْلُ صلى الله عليه وسلم : (سَيِّدَاتِ
نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ بَعْدَ مَرِيْمَ بَنِتُ عِمْرَانَ فَاطِمَةَ
وَخَدِيْجَةُ وَآَسْيَا بِنْتُ مُزَاحِمٍ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ).
زَوَاجٌ الْسَّيِّدَةُ فَاطِمَةُ الْزَّهْرَاءِ
{رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا}
بَعْدَ
أَنْ تَزَوَّجَ الْرَّسُوْلِ مَنْ الْسَّيِّدَةُ عَائِشَةُ-رَضِيَ
الْلَّهُ عَنْهَا - تَقَدَّمَ كِبَارِ الْصَّحَابَةِ لِخُطْبَةِ
الْزَّهْرَاءِ، بَعْدَ أَنْ كَانُوْا يُحْجِمُونَ عَنِ ذَلِكَ سَابِقا
لِوُجُوْدِهَا مَعَ أَبِيْهَا وَخِدْمَتِهَا إِيَّاهُ. فَقَدْ تَقَدَّمَ
لِخُطْبَةِ الْزَّهْرَاءِ أَبُوْ بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَبْدَالْرَّحْمَنِ
بْنَ عَوْفٍ - رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهُمْ- وَلَكِنَّ الْنَّبِيِّصلى الله
عليه وسلم اعْتَذَرَ فِيْ لُطْفٍ وَرِفْقٍ، وَتُحَدِّثُ الْأَنْصَارِ
إِلَىَ عَلِيِّ بْنِ أَبِيْ طَالِبٍ –
رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهُ - وشَجَعُوهُ عَلَىَ الْتَّقَدُّمِ لِخُطْبَةِ
فَاطِمَةَ، وَاخَذُوا يَذْكُرُوْنَهُ بِمَكَانَتِهُ فِيْ الْإِسْلَامِ
وَعِنْدَ رَسُوْلُ الْلَّهِ حَتَّىَ تُشَجِّعُ وَذَهَبَ إِلَىَ
الْرَّسُوْلِ صلى الله عليه وسلم خَاطِبا، وَعِنْدَمَا حَضَرَ مَجْلِسَ
الْنَّبِيِّ غَلَبَهُ الْحَيَاءُ فَلَمْ يَذْكُرْ حَاجَتِهِ ، وَأَدْرَكَ
رَسُوْلَ الْلَّهِ مَا يَنْتَابُ عَلَيَّ مِنْ حَرَجٍ فَبَادِرْهُ
بِقَوْلِهِ :مَا حَاجَةً ابْنِ أَبِيْ طَالِبٍ ؟
أَجَابَ عَلَيَّ :ذَكَرَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُوْلِ الْلَّهِ
قَالَ رَسُوْلُ الْلَّهِ : مُرَحِّبا وَأَهْلَا ..
وَكَانَتْ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ بَرْدا وَسَلَاما عَلَىَ قَلْبِ عَلِيٍّ
فَقَدْ فَهِمَ مِنْهَا، وَكَذَلِكَ فَهُمْ أَصْحَابُهُ أَنَّ رَسُوْلَ
الْلَّهِ يُرَحِّبُ بِهِ زَوْجا لِابْنَتِهِ .
وَكَانَتْ تِلْكَ مُقَدِّمَةٌ الْخُطْبَةِ ،عُرِفَ عَلَيَّ أَنَّ رَسُوْلَ الْلَّهِ يُرَحِّبُ بِهِ زَوْجا لِأَبْنَتِهِ
فَاطِمَةَ ،فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ ذَهَبَ إِلَىَ رَسُوْلِ الْلَّهِ وَخَطَبَ فَاطِمَةَ … وَكَانَ
مَهْرَهَا رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا دِرْعَا أَهْدَاهَا الْرَّسُوْلِ
صَلَّىَ الْلَّهُ إِلَىَ عَلِيٍّ فِيْ غَزْوَةِ بَدْرٍ،وَقَدْ دَعَا
لَهُمْ رَسُوْلُ الْلَّهِ فَقَالَ : "الْلَّهُمَّ بَارِكْ فِيْهِمَا وَبَارِكْ عَلَيْهِمَا وَبَارِكْ لَهُمَا فِيْ نَسْلُهُمَا ".
حَيَاهْ الْسَّيْدِه فَاطِمَهْ فِيْ بَيْتِ زَوْجِهَا
{رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا}
****
لَمْ
تَكُنْ حَيَاةَ فَاطِمَةَ فِيْ بَيْتِ زَوْجِهَا مُتْرَفَةَ وَلَا
نَاعِمَةٌ، بَلْ كَانَتْ أَقْرَبَ لِلخُشونَةً وَالْفَقْرِ، وَقَدْ
كَفَاهَا زَوْجَهَا الْخِدْمَةِ خَارِجَا وَسَقَّايَةٌ الْحَاجِّ
وَأَسْنَدَهُ لِأُمَّةٍ، وَكَانَ عَلِيُّ رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهُ
يُسَاعِدُهُا فِيْ شُؤُوْنِ الْمَنْزِلِ.
قَالَ عَلِيُّ رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهُ : لَقَدْ تَزَوَّجْتُ فَاطِمَةَ
وَمَا لِيَ وَلَهَا فِرَاشٍ غَيْرَ جِلْدِ كَبْشٍ نَنَامُ عَلَيْهِ
بِالْلَّيْلِ وَنَجْلِسُ عَلَيْهِ بِالْنَّهَارِ،وَمَالِيْ وَلَهَا خَادِمٌ
غَيْرُهُا ، وَلَمَّا زَوْجَهَا رَسُوْلٌ الْلَّهُ بِيَ بَعَثَ مَعَهَا
بِخَمِيْلَةٍ وَوِسَادَةٌ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيْفٌ وَرَحَائِينَ وَسِقَاءٌ
وَجَرَّتَيْنِ، فُجِّرَتْ بِالْرَّحَىَ حَتَّىَ أَثَّرَتْ فِيْ
يَدِهَا،وَاسْتَقَتْ بِالْقُرْبَةِ بِنَحْرِهَا ،وَقَمَّتْ الْبَيْتَ
حَتَّىَ اغْبَرَّتْ ثِيَابُهَا .
وَلَمَّا عَلِمَ عَلَيَّ – كُرِّمَ الْلَّهُ وَجْهَهُ - أَنْ الْنَّبِيِّ
قَدْ جَاءَهُ خَدَمَ قَالَ لِفَاطِمَةَ :لَوْ أَتَيْتَ أَبَاكَ فَسَأَلْتِيهِ خَادِما ،فَأَتَتْهُ فَقَالَ الْنَّبِيُّ
مَا جَاءَ بِكَ يَا بُنَيَّهُ؟ قَالَتْ :جِئْتُ لَأُسَلَّمَ
عَلَيْكَ،وَاسْتَحْيَتْ أَنْ تَسْأَلَهُ وَرَجَعَتْ ،فَأَتَاهَا رَسُوْلُ
الْلَّهِ مَنْ الْغَدُ فَقَالَ :مَا كَانَتْ حَاجَتُكَ ؟فَسَكَتَتْ فَقَالَ
عَلِيٌّ :وَاللَّهُ يَا رَسُوْلَ الْلَّهِ لَقَدْ سَنَوْتُ حَتَّىَ
اشْتَكَيْتُ صَدْرِيْ،وَهَذِهِ فَاطِمَةُ قَدْ طَحَنْتُ حَتَّىَ مَجَلَتْ
يَدَاهَا وَقَدْ أَتَىَ الْلَّهَ بِسَبْيٍ فَأَخْدِمْنَا.
فَقَالَ الْرَّسُوْلُ صلى الله عليه وسلم
:"لَا وَالْلَّهِ ،لَا أُعْطِيَكُمَا وَأَدَعُ أَهْلَ الْصُّفَّةِ
تَتَلَوَّى بُطُوْنِهِمْ ،لَا أَجِدُ مَا
أُنْفِقْ عَلَيْهِمْ وَلَكِنْ أَبِيْعُ وَأَنْفِقْ عَلَيْهِمْ بِالثَّمَنِ “
فَرَجَعَا إِلَىَ مَنْزِلِهَا ،فَأَتَاهُمَا رَسُوْلُ الْلَّهِ صَلَّىَ
الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُخَفِّفَ عَنْهُمَا عَنَاءَهُما وَقَالَ
لَهُمَا بِرِفْقٍ وَحَنَانٍ :
أَلَا أُخْبِرُكُمَا بِخَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَانِي ؟ قَالَا: بَلَىَ:
فَقَالَ :"كَلِمَاتٍ عَلَّمَنِيْهِنَّ جِبْرِيْلُ :تُسَبِّحَانِ الْلَّهَ
دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ عَشْرا، وَتَحْمَدَانِ عَشْرا ، وَتُكَبِّرَانِ
عَشْرا ،وَإِذَا أَوَيْتُمَا إِلَىَ فِرَاشِكُمَا تُسَبِّحَانِ ثَلَاثَةِ
وَثَلَاثِيَنَّ ،وَتَحْمَدَانِ ثَلَاثَةِ وَثَلَاثِيَنَّ ،وَتُكَبِّرَانِ
أَرْبَعا وَثَلَاثِيَنَّ " .
اوْلَادِ الْسَّيْدِه فَاطِمَهْ الْزَّهْرَاءِ
{رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا}
وُضِعَتْ فَاطِمَهْ طِفْلَهَا الْأَوَّلِ فِيْ الْسَّنَةِ الْثَّالِثَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ
فَفَرِحَ بِهِ الْنَّبِيُّ فَرَحَا كَبِيْرَا فَتَلَا الْآذَانِ عَلَىَ
مَسْمَعِهِ، ثُمَّ حَنَّكَهُ بِنَفْسِهِ وَسَمَّاهُ الْحَسَنِ ،فَصَنَعَ
عَقِيْقَةٌ فِيْ يَوْمٍ سَابِعِهِ، وَحَلَّقَ شَعْرِهِ وَتَصَدَّقْ
بِزِنَةِ شَعْرِهِ فِضَّةً .
وَكَانَ الْحَسَنُ أَشْبَهُ خَلْقِ الْلَّهِ بِرَسُوْلِ الْلَّهِ
صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيْ وَجْهِهِ، وَمَا أَنْ بَلَغَ
الْحَسَنَ مِنْ الْعُمْرِ عَاما حَتَّىَ وُلِدَ بَعْدَهُ
الْحُسَيْنِ فِيْ شَهْرِ شَعْبَانِ سَنَةً أَرْبَعَ مِنْ الْهِجْرَةِ ، وَتُفْتَحُ قَلْبِ رَسُوْلِ الْلَّهِ
لِسِبْطَيْهِ (الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ)،فَغَمَرْهُما بِكُلِّ مَا
امْتَلَأَ بِهِ قَلْبَهُ مِنَ حَبَّ وُحَنَانٍ وَكَانَ صَلَّىَ الْلَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُوْلُ:الَلَّهُمْ أَنِّيْ أُحِبُّهُمَا
فَأَحِبَّهُمَا وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُمَا "
وَتَتَابَعَ الْثَّمَرِ الْمُبَارَكِ فَوَلَدَتْ الْزَّهْرَاءِ فِيْ الْعَامِ الْخَامِسْ
لِلْهِجْرَةِ طِفْلَةٍ اسْمَاهَا جِدْهَا صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (زَيْنَبْ).وَبَعْدَ عَامَيْنِ مِنْ مَوْلِدِ زَيْنَبْ وُضِعَتْ طِفْلَةٍ أُخْرَىَ اخْتَارَ لَهَا الْرَّسُوْلُ اسْمَ (أَمْ كُلْثُوْمٍ ) .
وَبِذَلِكَ آَثَرَ الْلَّهُ فَاطِمَةَ
بِالْنِّعْمَةِ الْكُبْرَىَ ،فَحَصِرَ فِيْ وَلَدِهَا ذُرِّيَّةً
نُبَيْهِ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،وَحِفْظُ بِهَا.
وَفَّاهُ الْسَّيْدِه فَاطِمَهْ الْزَّهْرَاءِ
{رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا}
يُقَالُ
أَنَّ الْفَتْرَةَ بَيْنَ وَفَاتِهَا وَوَفَاةُ أَبِيْهَا هِيَ خَمْسَةٌ
وَتِسْعُوْنَ يَوْمَا، أَيُّ فِيْ يَوْمِ الْثَّالِثِ مِنْ شَهْرِ
جُمَادَىْ الْآَخِرَةِ وَالْلَّهُ اعْلَمْ
فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ جَاءَتْ عَائِشَةُ تُدْخِلِ فَقَالَتْ أَسْمَاءُ: لَا
تَدْخُلِيْ، فَشَكَتْ إِلَىَ أَبِيْ بَكْرٍ، فَقَالَتْ: إِنَّ هَذِهِ
الْخَثْعَمِيَّةَ تَحُوْلُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ بِنْتِ رَسُوْلِ
الْلَّهِ، وَقَدْ جَعَلَتْ لَهَا مِثْلَ هَوْدَجِ الْعَرُوسُ، فَجَاءَ
فَوَقَفَ عَلَىَ الْبَابِ فَقَالَ: يَا أَسْمَاءُ مَا حَمَلَكَ عَلَىَ أَنْ
مُنِعَتْ أَزْوَاجٌ الْنَّبِيُّ أَنْ يُدْخِلْنَ عَلَىَ بِنْتِ رَسُوْلِ الْلَّهِ؟ وَ جَعَلْتَ لَهَا مِثْلَ هَوْدَجِ الْعَرُوسُ؟
فَقَالَتْ: أَمْرَتَنِي أَنَّ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا أَحَدٌ، وَأَرَيْتُهَا هَذَا الَّذِيْ صَنَعْتَ، وَهِيَ حَيَّةٌ، فَأَمَرَتْنِي أَنْ اصْنَعْ ذَلِكَ لَهَا، قَالَ أَبُوْ بَكْرٍ: فَاصْنَعِيْ مَا أَمَرَتْكِ ثُمَّ انْصَرَفَ.
وَ كَفَّنَهَا عَلَيَّ بْنِ أَبِيْ طَالِبٍ زوْجَهَا فِيْ سَبْعَةِ أَثْوَابٍ، وَحْنطِهَا بِفَاضِلٍ حَنُوْطِ رسُوْلُ الْلَّهِ، ثُمَّ صَلَّىَ عَلَيْهَا، وَدَفَنَهَا سَرَّا فِيْ جَوْفِ الْلَّيْلِ، وَعَفَّى قَبْرِهَا، وَلَمْ يَحْضُرْ دَفَنَهَا وَالْصَّلاةُ عَلَيْهَا إِلَا عَلَيْ وَابْنَيْهَا الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنِ، وَ عَمَّارٍ وَالْمِقْدَادَ، وَ عَقِيْلٍ وَ الزُّبَيْرُ وَ أَبُوْ ذَرٍّ وَ سَلْمَانَ، وَ بُرَيْدَةَ وَ نَفَرٌ مِنْ بَنِيَّ هَاشِمٍ وَ خَوَاصَّ عَلَيَّ.
رَضِىَالْلَّهُ عَنْهَا وَعَنْ الْصَّحَابِيَّاتِ وَ الْصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ
لكم منى كل تقدير واحتراااااااام
Mostafa Zahra
هَذَا الْمَوْضُوْعَ يَضُمُّ لَمْحَاتٌ مَنْ حَيَّاهُ
"بَنَاتِ رَسُوْلِ الْلَّهِ صلى الله عليه وسلم "
لَقَدْ كَانَ لِرَسُوْلٍ الْلَّهِ صلى الله عليه وسلم ارْبَعَ بَنَاتِ وَهُن
زَيْنَبْ , رُقِيِّهِ, امْ كُلْثُوْمٍ , فَاطِمَهْ الْزَّهْرَاءِ ,,
وَسَنَعْرِضُ نَبَذَهُ عَنْ حَيَاهْ كُلُّ وَاحِدَهْ مِنْهُن,,
اوَّلَا:الْسَّيْدِه زَيْنَبَ
{رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا}
*****
هِيَ زَيْنَبُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ بْنِ عَبْدِ الْلَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ خَاتَمُ الْنَّبِيِّيْنَ. وَزَيْنَبَ {رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا}
هِيَ كُ بْرَىْ بَنَاتِ الْرَّسُوْلَ مِنْ بَيْنِ أَرْبَعُ بَنَاتٍ هُنَّ زَيْنَبَ وَ رُقَيَّةَ وَ أُمِّ كُلْثوُمٍ وَ فَاطِمَةَ {رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهُنَّ}
وَهِيَ ثَمَرَةٍ الْزَّوَاجِ السَّعِيْدِ الَّذِيْ جَمَعَ بَيْنَ خَديْجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ {رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا} وَ رَسُوْلُ الْلَّهِ صلى الله عليه وسلم .
وُلِدْتُ زَيْنَبْ {رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا} فِيْ الْسَّنَةِ الْثَّلاثِيْنَ مِنَ مُوَلِّدُ مُحَمَّدٍ ،أَيْ أَنَّهُ كَانَ يَبْلُغُ مِنَ الْعُمُرِ ثَلَاثِيْنَ عَاما عِنْدَمَا أَصْبَحَ أَبَا لِزَيْنَبَ الَّتِيْ أَحَبَّهَا كَثِيْرا وَكَانَتْ فَرْحَتِهِ لَا تُوْصَفُ بِرُؤْيَتِهَا.
أَمَّا الْسَّيِّدَةُ خَدِيْجَةَ {رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا} فَقَدْ كَانَتْ الْسَّعَادَةُ وَ الْفَرْحَةَ تَغْمُرَانُهَا عِنَدَمّا تَرَىَ الْبِشْرِ عَلَىَ وَجْهِ زَوْجِهَا وَهُوَ يُدَاعِبُ ابْنَتَهُ الْأُوْلَىْ.
وَاعْتَادَ أَهْلِ مَكَّةَ الْعَرَبِ عَامَّةً وَ الْأَشْرَافِ مِنْهُمْ خَاصَّةً عَلَىَ إِرْسَالِ صِغَارَهُمْ الْرُضَّعْ بِيَدِ مُرْضِعَاتٌ مِنْ الْبَادِيَةِ يَعْتِّنِينَ بِهِمْ وَبَعْدَمَا يُقَارِبُ مِنْ الْسَّنَتَيْنِ يُعِيدُوَهُمْ إِلَىَ ذَوِيِهِمْ.
بَعْدَ أَنْ عَادَتِ زَيْنَبْ {رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا} إِلَىَ حِضْنِ أُمِّهَا خَدِيْجَةَ عَهِدْتُ بِهَا إِلَىَ مُرَبِّيَةُ تُسَاعِدُهُا عَلَىَ رِعَايَتِهَا وَالْسَّهَرِ عَلَىَ رَاحَةِ ابْنَتِهَا.
وَ تَرَعْرَعَتْ زَيْنَبٌ فِيْ كَنَفِ وَ الِدُهَا حَتَّىَ شَبَّتْ عَلَىَ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ ِو الآداب وَ الْخِصَالِ فَكَانَتْ تِلْكَ الْفَتَاةْ الْبَالِغَةُ الْطَّاهِرَةِ.
زَوَاجِ الْسَّيْدِه زَيْنَبَ
{رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا}
كَانَتْ هالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ أُخْتُ خَدِيْجَةَ {رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا} زَوْجٍ رَسُوْلُ الْلَّهِ تَقَبَّلْ عَلَىَ أُخْتِهَا بَيْنَ الْحِيْنِ وَالْآخَرْ، فَقَدْ كَانَتَا قَرِيْبَتَانِ مِنْ بَعْضِهِمَا، وَكَانَتْ هَالَةٌ تُعْتَبَرُ الْسَّيِّدَةُ خَدِيْجَةَ أُمَّا وَ أُخْتَا لَهَا وَكَمْ حَلِمْتُ بِأَنْ تَكُوْنَ زَيْنَبَ بِنْتِ أُخْتِهَا {رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا} زَوْجَةً لِابْنِهَا أَبِيْ الْعَاصِ.
مِنْ ذَلِكَ نَجِدُ أَنَّ هَالَةٌ أَحْسَنْتَ الِاخْتِيَارَ فَهِيَ زَيْنَبُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ أَحَدٌ أَشْرَافُ قُرَيْشٍ وَمَكَانَتُهُ كَانَتْ عَظِيْمَةً بَيْنَهُمْ وَ أُمُّهَا ذَاتُ الْمَنْزِلَةِ الْرَّفِيْعَةَ وَ الْأَخْلاقِ الْكَرِيْمَةِ أَيْضا. أَمَّا زَيْنَبُ فَلَمْ تَكُنْ بِحَاجَةٍ إِلَىَ تَعْرِيْفُ, فَأَخَلَاقَهَا كَانَتْ مِنَ أَهُمْ مَا جَذَبَ خَالَتِهَا لَهَا.
كَانَ أَبُوْ الْعَاصِ قَدْ تَعْرِفُ إِلَىَ زَيْنَبَ مِنْ خِلَالِ الزِّيَارَاتِ الَّتِيْ كَانَ يَقُوْمُ بِهَا لِخَالِتْهُ {رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا}، وَ مِنْ هُنَاكَ عُرِّفَ عَنْ طِبَاعِ ابْنَةُ خَالَتِهِ زَيْنَبْ وَ أَخَلَاقَهَا فَزَادَ مِنْ تَرْدَادِهِ عَلَىَ بَيْتِ خَالَتِهِ. وَ فِيْ إِحْدَىَ الْأَيَّامِ فَاتَحَتْ هَالَةٌ أُخْتِهَا بِنَوَايَا ابْنُهَا الَّذِيْ أَخْتَارُ زَيْنَبْ بِنْتِ مُحَمَّدٍ ذُوْ الْمَكَانَةِ الْعَظِيْمَةَ فِيْ قُرَيْشٍ لِتَكُوْنَ شَرِيْكَةُ حَيَاتِهِ وَ زَوْجَةٌ لَهُ.
عَاشَتْ زَيْنَبْ حَيَاةً سَعِيّدَةٌ فِيْ كَنَفِ زَوْجَهَا وَ كَانَتْ خَيْرَ الْزَّوْجَةُ الْصَّالِحَةُ الْكَرِيْمَةِ لِأَبِيْ الْعَاصِ ، وَكَانَ هُوَ خَيْرٌ الْزَّوْجِ الْفَاضِلُ الَّذِيْ أَحَاطَهَا بِالْحُبِّ وَ الْأَمَانَ.
وَشَاءَ الَلّهَ تَعَالَىْ أَنْ يَكُوْنَ ثَمَرَةَ هَذَا الْزَّوَاجَ السَّعِيْدَ طِفْلَيْنِ أَنْجَبَتْهُمَا زَيْنَبْ {رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا}. الْأَوَّلِ عَلَيَّ بْنِ أَبِيْ الْعَاصِ الَّذِيْ تُوُفِّيَ صَبِيا وَ كَانَ رَسُوْلُ الْلَّهِ قَدْ أَرْدَفَهُ وَرَاءَهُ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَ الْثَّانِيَةُ أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِيْ الْعَاصِ الَّتِيْ تَزَوَّجَهَا عَلِيّ بْنِ أَبِيْ طَالِبٍ { كُرِّمَ الْلَّهُ وَجْهَهُ} بَعْدَ وَفَاةِ فَاطِمَةَ الْزَّهْرَاءِ {رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا}.
اسْلَامْ الْسَّيْدِه زَيْنَبْ
{رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا}
*******
وَ قَدْ أَسْلَمْتُ زَيْنَبَ رَضِىَ الْلَّهُ عَنْهَا مَعَ أُمِّهَا وَ أَخَوَاتُهَا وَ حَاوَلَتِ أَنَّ تَدْعُوَ زَوَّجَهَا إِلَىَ الْاسْلامِ كَذَلِكَ
حَاوَلَ مَعَهُ رَسُوْلُ الْلَّهِ صلى الله عليه وسلم وَ لَكِنَّهُ رَفَضَ أَنْ يُتْرَكَ دِيَنِ آَبَاؤُهُ وَ كَانَ مِمَّا قَالَ لَهَا :
" وَالْلَّهِ مَا أَبُوْكِ عِنْدِيْ بِمُتَّهَمٍ، وَلَيْسَ أُحِبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَسْلُكَ مَعَكَ يَا حَبِيْبَةِ فِيْ شِعْبٍ وَاحِدٌ، وَلَكِنِّيْ
أَكْرَهُ لَكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ زَوْجَكِ خُذِلَ قَوْمِهِ وَ كَفِّرْ بِآَبَائِهِ إِرْضَاءِ لِامْرَأَتِهِ "
وَ عَلَىـآ الْرَّغْمِ مِنْ ذَلِكَ هَذِهِ الْمَوَاقِفِ نَجِدُ أَنَّ الْسَيِّدَةُ زَيْنَبْ {رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا} عَلَىَ الْرَّغْمِ مِنْ عَدَمِ إِسْلَامِ زَوْجِهَا فَقَدْ بَقِيَتْ مَعَهُ تَدْعُوَهُ إِلَىَ الْإِسْلَامِ، وَتُقْنِعُهُ بِأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ الْرَّسُوْلُ صلى الله عليه وسلم هُوَ مِنْ عِنْدِ الْلَّهِ وَلَيْسَ هُنَاكَ أَحَقُّ مِنْ هَذَا الْدِينْ لاعْتِنَاقِهُ
إِسْلَامُ أَبِيْ الْعَاصِ
زَوْجٍ زَيْنَبَ بِنْتِ الْنَّبِيِّ
******
وَأَمَرَ رَسُوْلُ الْلَّهِ صلى الله عليه وسلم زَيْنَبْ أَنْ لَّا يُقَرِّبُهَا زَوْجَهَا أَبُوْ الْعَاصِ ، لِأَنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ مَادَامَ مُشْرِكا.
وَقَالَ رَسُوْلُ الْلَّهِ لَهُ: يَا أَبَا الْعَاصِ إِنَّ الْلَّهَ أَمَرَنِيَ أَنْ أُفَرِّقَ بَيْنَ مَسْلَمَةَ وَ كَافِرٌ، فَهَلْا رَدَدْتَ إِلَىَ ابْنَتِيَ؟
فَقَالَ : نَعَمْ
وَخَرَجَتْ زَيْنَبُ تَسْتَقْبِلُ أَبَا الْعَاصِ عَلَىَ أَبْوَابِ مَكَّةَ ، فَقَالَ لَهَا حِيْنَ رَآَهَا: إِنِّيَ رَاحِلٌ.
فَقَالَتْ: إِلَىَ أَيْنَ؟ قَالَ: لَسْتُ أَنَا الَّذِيْ سَيَرْتَحِلُ، بَلْ أَنْتَ سَتَرْحَلِيْنْ إِلَىَ أَبِيَكَ .
فَقَالَتْ: لَمْ؟ قَالَ: لِلْتَّفْرِيْقِ بَيْنِيْ وَبَيْنَكَ. فَارْجِعِيْ إِلَىَ أَبِيَكَ. فَقَالَتْ: فَهَلْ لَكَ
أَنَّ تُرَافِقُنِيْ وَتُسْلِمُ؟ فَقَالَ: لَا
فَأَخَذْتُ وَلَدِهَا وَابْنَتِهَا وَذَهَبَتْ إِلَىَ الْمَدِيْنَةِ.
وَبَدَأَ الْخَطَّابِ يَتَقَدَّمُونَ لِخِطْبَتِهَا عَلَىَ مَدَىْ
6 سَنَوَاتٍ، وَكَانَتْ تَرْفِضْ عَلَىَ أَمَلِ أَنْ يَعُوْدَ إِلَيْهَا زَوْجُهَا.
وَبَعْدَ 6 سَنَوَاتٍ كَانَ أَبُوْ الْعَاصِ قَدْ خَرَجَ بِقَافِلَةٍ مِنَ مَكَّةَ إِلَىَ الْشَّامِ، وَأَثْنَاءَ سَيْرِهِ يَلْتَقِيَ مَجْمُوْعَةٌ مِنْ الْصَّحَابَةِ.
فَسَأَلَ عَلَىَ بَيْتِ زَيْنَبَ وَطُرُقٍ بَابُهَا قُبَيْلَ آَذَانٌ الْفَجْرِ، فَسَأَلْتُهُ حِيْنَ
رَأَتْهُ: أَجِئْتَ مُسْلِما ؟قَالَ: بَلْ جِئْتُ هَارِبا. فَقَالَتْ: فَهَلْ لَكَ إِلَىَ أَنْ تُسْلِمُ؟ فَقَالَ: لَا .
قَالَتْ: فَلَا تَخَفْ. مَرْحَبا بِابْنِ الْخَالَةِ. مَرْحَبا بِأَبِيْ عَلَيَّ وَأُمَامَةُ
وَبَعْدَ أَنْ أُمَّ الْنَّبِيِّ الْمُسْلِمِيْنَ فِيْ صَلَاةِ الْفَجْرِ، إِذَا بِصَوَتَ يَأْتِيَ مِنْ آَخِرِ الْمَسْجِدِ:
قَدْ أَجَرْتِ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيْعِ. فَقَالَ الْنَّبِيُّ: هَلْ سَمِعْتُمْ مَا سَمِعْتُ؟
قَالُوْا: نَعَمْ يَارَسُوْلَ الْلَّهِ .
قَالَتْ زَيْنَبُ: يَا رَسُوْلَ الْلَّهِ إِنَّ أَبَا الْعَاصِ إِنَّ بَعُدَ فَابْنُ الْخَالَةِ وَإِنْ قَرَّبَ فَأَبُو
الْوَلَدِ وَقَدْ أُجْرَتَهُ يَا رَسُوْلَ الْلَّهِ. فَوَقَفَ الْنَّبِيُّ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: يَا أَيُّهَا
الْنَّاسِ إِنَّ هَذَا الْرَّجُلُ مَا ذَمَمْتُهُ صِهْرا.
وَإِنَّ هَذَا الْرَّجُلَ حَدَّثَنِيْ فَصَدَقَنِي وَوَعَدَنِي فَوَفَّى لِيَ.
فَإِنَّ قَبِلْتُمُ أَنَّ تَرُدُّوْا إِلَيْهِ مَالُهُ وَأَنَّ تَتْرُكُوْهُ يَعُوْدُ إِلَىَ بَلَدِهِ فَهَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ.
وَإِنُّ أَبَيْتُمْ فَالأَمْرُ إِلَيْكُمْ وَالْحَقُّ لَكُمْ وَلَا أَلُوُمَكُمْ عَلَيْهِ
فرَجَعَ أَبُوْ الْعَاصِ بِالْمَالِ إِلَىَ مَكَّةَ وَأَعَادَ لِكُلِّ ذِىْ حَقٍّ حَقَّهُ، ثُمَّ أَعْلَنَ إِسْلَامَهُ عَلَىَ الْمَلِأِ ثُمَّ قَالَ:" أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الْلَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدَ عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، وَالْلَّهِ مَا مَنَعَنِيْ مِنْ الْإِسْلَامِ
إِلَّا أَنَّ تَظُنُّوْا أَنِّيْ إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ آِكُلَ
أَمْوَالَكُمْ، فَلَمّا أَدّاهَا الْلَّهُ إِلَيْكُمْ فَرَغْتَ مِنْهُمْ
وَأَسْلَمْتُ".
جَمْعٍ أَبُوْ الْعَاصِ أَغْرَاضِهِ وَعَادٍ إِلَىَ يَثْرِبَ قَاصِدا مَسْجِدٍ ا لْرَّسُوْلِ
صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا بِالْرَّسُوْلِ صَلَّىَ
الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ يَفْرَحُوْنَ بِعَوْدَتِهِ،
لِيُكْمِلَ فَرْحَتِهِمْ تِلْكَ بِالْإِسْلَامِ. وَبَعْدَ إِسْلَامُ أَبِيْ
الْعَاصِ أَعَادَ الْرَّسُوْلِ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
زَيْنَبَ إِلَيْهِ بِنِكَاحِهِ الْأَوَّلُ وَقِيْلَ أَنَّهُ أُعِيْدُ
إِلَيْهَا بِنِكَاحٍ جَدِيْدُ وَعَاشَا مِنْ جَدِيْدٍ مَعَا ً
وَالْإِسْلَامِ يَجْمَعُهُمَا
وَفَاةِ الْسَيِدَةِ زَيْنَبْ
{رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا}
*
بَعْدَ عَامٍ مِنْ الْتَّمَامِ شَمْلَ الْزَّوْجَيْنِ أَبِيْ الْعَاصِ وَالْسَّيِّدَةُ زَيْنَبْ
{رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا}، وَبَعْدَ أَنْ عَاشَا حَيَاةً كَرِيْمَةً
سَعِيْدَةً فِيْ دَارِ الْإِسْلَامِ مَعَ وَلَدَيْهَا أُمَامَةَ وَعَلَيَّ،
بَدَأَ الْمَرَضِ يِزَدْادْ عَلَىَ الْسَيِّدَةُ زَيْنَبْ {رَضِيَ
الْلَّهُ عَنْهَا}. وَظَلَّتْ زَيْنَبْ لَازِمَةٌ الْفِرَاشِ فَتْرَةً
طَوِيْلَةً مِنْ أَثَرٍ مَا تَعَرَّضَتْ لَهُ مِنْ قَبْلِ هَبّارُ بْنُ
الْأَسْوَدِ، وَهِيَ فِيْ طَرِيْقِهَا إِلَىْ يَثْرِبَ لِلْهِجْرَةِ.
وَلَمْ تَسْتَطِعْ الْأَدْوِيَةِ أَنْ تُخَفِّفَ مِنْ مَرَضٍ زَيْنَبْ فَسَلَّمْتُ أَمْرَهَا لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىْ.
فِيْ الْعَامِ الْثَّامِنِ لِلْهِجْرَةِ تُوُفِّيَتْ الْسَيِدَةِ زَيْنَبْ
{رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا}، وَحُزْنٍ رَسُوْلُ الْلَّهِ حُزْنِا
عَظِيْمَا،ً وَحُزْنٍ مَعَهُ زَوْجُهَا أَبُوْ الْعَاصِ الَّذِيْ وَافَتْهُ
الْمَنِيَّةُ بَعْدَ 4 سَنَوَاتٍ مِنْ وَفَاةِ زَيْنَبْ{رَضِيَ الْلَّهُ
عَنْهَا}
ثَانِيا: الْسَّيْدِه رُقِيِّهِ
{ رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا}
****
هِيَ رُقِيّةِ بِنْتُ مُحَمَّدٍ
بْنِ عَبْدِ الْلَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ بَنِتُ
رَسُوْلُ الْلَّهِ صلى الله عليه وسلم أُمِّهَا خَدِيْجَةُ بِنْتُ
خُوَيْلِدٍ، وُلِدَّتَ بَعْدَ زَيْنَبْ، أَسْلَمْتُ مَعَ أُمِّهَا
وَأَخَوَاتُهَا، هَاجَرَتْ الْهِجْرَتَيْنِ إِلَىَ الْحَبَشَةِ أَوَّلَا
ثُمَّ إِلَىَ الْمَدِيْنَةِ ثَانِيَةً،وَنَشَأَتْ قَبْلَ بَعْثَةِ
الْرَّسُوْلِ صلى الله عليه وسلم . وَقَدْ اسْتُمِدَّتْ رُقْيَةٌ رَضِيَ
الْلَّهُ عَنْهَا كَثِيِرَا مِنْ شَمَائِلِ أُمِّهَا، وتَمَثَّلْتِهَا
قَوْلَا وَفِعْلَا فِيْ حَيَاتُهَا مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ تَنَفَّسَ فَيِهِ
صُبْحٍ الْإِسْلَامِ، إِلَىَ أَنْ كَانَتْ رِحْلَتَهَا الْأَخِيرَةِ
إِلَىَ الْلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
زَوَاجٌ الْسَّيْدِه رُقِيِّهِ قَبْلَ الْنُّبُوَّهَّ
{رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا}
***
لَمْ يَمْضِ عَلَىَ
زَوَاجِ زَيْنَبَ الْكُبْرَىَ غَيْرَ وَقْتٍ قَصِيْرٍ، إِلَا وَطُرُقٍ
بَابُ خَدِيْجَةَ وَمُحَمَّدُ، وَفْدِ مِنْ آَلِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ،
جَاءَ يَخْطُبُ رُقْيَةٌ وَأُخْتَهَا الَّتِيْ تُصَغِّرُهُا قَلِيْلا
لشَابِينَ مِنْ أَبْنَاءِ الْأَعْمَامِ وَهُمَا (عُتْبَةَ وَعُتَيْبَةَ)
وَلَدا أَبِيْ لَهَبٍ عَمَّ الْرَّسُوْلِ.
وَأَحَسَّتْ رُقْيَةٌ وَأُخْتَهَا انْقِبَاضَا لَدَىَّ أُمِّهِمَا خَدِيْجَةَ، فَالأُمُّ تَعْرِفُ مَنْ تَكُوْنُ أُمَّ الْخَاطِبَيْنَ زَوْجَةً أَبِيْ لَهَبٍ، وَلَعَلَّ كُلَّ بُيُوْتِ مَكَّةَ تَعْرِفُ مَنْ هِيَ أُمٌّ جَمِيْلٍ بِنْتُ حَرْبِ ذَاتْ الْقَلْبِ الْقَاسِيْ وَالْطَّبْعِ الْشَّرِسُ وَالْلِّسَانِ الْحَادِّ.
وَلَمْ
تَشَأْ خَدِيْجَةَ أَيْضا أَنْ تُعَكِّرَ عَلَىَ زَوْجِهَا
طُمَأْنِيْنَتُهُ وَهُدُوّءْهْ بِمَخاوفُهَا مِنْ زَوْجَةٍ أَبِيْ لَهَبٍ
وَتَمَّتْ الْمُوَافَقَةِ، وَبَارِكْ مُحَمَّدٍ ابْنَتَيْهِ، وَأَعْقَبَ
ذَلِكَ فَرْحَةٌ الْعُرْسِ وَانْتَقَلْتُ الْعَرُّوُسَانَ فِيْ حِرَاسَةِ الْلَّهِ إِلَىَ بَيْتِ آَخَرَ وَجَوٍّ جَدِيْدٍ.
وَدَخَلَتْ رُقْيَةٌ مَعَ أُخْتِهَا أُمِّ كُلْثُوْمٍ بَيْتِ الْعَمِّ،
وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ مُكَوْثِهِمَا هُنَاكَ طَوَيْلَا فَمَا كَادَ
رَسُوْلِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ يَتَلَقَّىْ
رِسَالَةٍ رَبِّهِ، وَيَدْعُوَ إِلَىَ الْدِّيْنِ الْجَدِيْدِ، وَرَاحَ
سَيِّدِنَا رَسُوْلِ الْلَّهِ، يَدْعُوَ إِلَىَ
الْإِسْلَامِ سَرَّا، وَعِنْدَمَا عَلِمَ أَبُوْ لَهَبٍ بِذَلِكَ أَخَذَ
يَضْحَكُ وَيَسْخَرُ مِنْ رَّسُوْلٍ الْلَّهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَىَ الْبَيْتِ، وَشَارَكَتْ أَمْ جَمِيْلٌ زَوْجَهَا فِيْ سُخْرِيَّتَهُ وهْزِئِهُ.
لَاوَلَكِنْ
الْقُرْآَنُ الْكَرِيْمِ تَنَزَّلُ عَلَىَ الْحَبِيْبِ الْمُصْطَفَىَ
يُشِيْرُ إِلَىَ الْمَصِيرُ الْمَشْؤُومُ لِأُمِّ جَمِيْلٍ بِنْتُ حَرْبِ،
وَزَوْجُهَا الْمَشْؤُومُ أَبِيْ لَهَبٍ،
قال تعالى : { تَبَّتۡ يَدَا أَبِى لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2)
سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5) }
وَكَانَتْ
رُقَيَّةُ وَأُمُّ كُلِّثَوِمَ فِيْ كَنَفِ ابْنِيْ عَمَّهُمَا، لَمَّا
نَزَلَتْ سُوْرَةُ ، ثُمَّ أُرْسِلَ أَبِو لَهَبٍ وَلَدَيْهِمَا عُتْبَةَ
وَعُتَيْبَةَ وَقَالَ لَهُمَا: إِنَّ مُحَمَّدا قَدْ سَبَّهُمَا، ثُمَّ
الْتَفَّ أَبُوْ لَهَبٍ إِلَىَ وَلَدِهِ عُتْبَةَ وَقَالَ فِيْ غَضَبٍ:
رَأْسِيٌّ مِنْ رَأْسِكَ حَرَامْ إِنْ لَمْ تُطَلَّقِ ابْنَةَ مُحَمَّدٍ؛
فَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا.
وَأَمَّا
عُتَيْبَةَ، فَقَدْ اسْتَسْلَمَ لِثَوْرَةِ الْغَضَبُ وَقَالَ فِيْ
ثَوْرَةِ وَاضْطِرَابٍ: لَآَتِيَنَّ مُحَمَّدا فَلَأُوذِيَنَّهُ فِيْ
رَبِّهِ. وَانْطَلَقَ عُتَيْبَةَ بْنِ أَبِيْ لَهَبٍ إِلَىَ رَسُوْلِ الْلَّهِ
صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَتَمَهُ وَرَدَّ عَلَيْهِ
ابْنَتَهُ وَطَلَّقَهَا، فَقَالَ رَسُوْلُ الْلَّهِ"الْلَّهُمَّ سَلِّطْ
عَلَيْهِ كَلَبْا مِنْ كِلَابِكَ" وَاسْتَجَابَتْ دَعْوَةَ الْرَّسُوْلِ
صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ، فَأَكَلَ الْأَسَدُ عُتَيْبَةَ فِيْ
إِحْدَىَ أَسْفَارِهِ إِلَىَ الْشَّامِ.
زَوَاجٌ الْسَّيْدِه رُقْيَةٌ مِنْ عُثْمَانَ
{رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَما}
****
شَاءَتْ
قُدْرَةِ الْلَّهِ لِرُقِيّةٌ أَنَّ تَرْزُقُ بَعْدَ صَبْرِهَا زَوْجَا
صَالِحَا كَرِيْمَا مِنْ الْنَّفَرِ الثَّمَانِيَةَ الَّذِيْنَ سَبَقُوَا
إِلَىَ الْإِسْلَامِ، وَأَحَدُ الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرِيْنَ
بِالْجَنَّةِ، ذَلِكَ هُوَ (عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ)وَمَا كَانَ
الْرَّسُوْلُ الْكَرِيمُ لَيَبْخَلُ عَلَىَ صَحَابِيّ مِثْلَ عُثْمَانَ
بِمُصَاهَرَتِهِ، وَسَرَعَانُ مَا اسْتَشَارَ ابْنَتَهُ، فَفَهِمَ مِنْهَا
الْمُوَافَقَةِ عَنْ حُبْ وَكَرَامَةً، وَتَمَّ لِعُثْمَانَ نُقِلَ
عُرْوَسُهُ إِلَىَ بَيْتِهِ، وَسَعِدَتْ رُقْيَةٌ رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا
بِهَذَا الْزَّوَاجِ مِنْ الْتَّقِيُّ الْنَّقِيُّ عُثْمَانَ بْنِ
عَفَّانِ رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهُ، وَوَلَدَتْ رُقْيَةٌ غُلَامَا مِنْ
عُثْمَانَ فَسَمَّاهُ عَبْدَ الْلَّهِ، وَاكْتَنَى بِهِ وَبَلَّغَ سَتُّ
سِنِيْنَ ثُمَّ تُوُفِّيَ.
هَجَرَه الْسَّيْدِه رُقْيَةٌ مَعَ عُثْمَانَ الَىَّ الْحَبَشَةِ
عِنْدَمَا أَذِنَ الْلَّهُ لِلْمُسْلِمِيْنَ بِالْهِجْرَةِ الَىَّ الْحَبَشَةِ، هَاجَرَتْ رُقْيَةٌ بَنِتُ رَسُوْلُ الْلَّهِ
-صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَزَوْجُهَا عُثْمَانَ بْنِ
عَفَّانَ الَىَّ الْحَبَشَةِ،فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدُالْلَّهِ هُنَاكَ
فَكَانَ يُكَنَّى بِهِ
قَالَ عَلَيْهِ الْسَّلامُ: (إِنَّهُمَا لَأَوَّلُ مَنْ هَاجَرَ إِلَىَ الْلَّهِ بَعْدَ لُوْطٍ)
الْعَوْدَةِ إِلَىَ مَكَّةَ
****
وُصِلَتْ
إِلَىَ الْحَبَشَةِ شَائِعَاتٍ كَاذِبَةٍ، تَتَحَدَّثُ عَنْ إِيْمَانٍ
قُرَيْشٍ بِمُحَمَّدٍ، فَلَمْ يَقْوَ بَعْضٍ الْمُهَاجِرِيْنَ عَلَىَ
مُغَالَبَةِ الْحَنِيْنِ الْمُسْتَثَارِ، وَسَرَعَانُ مَا سَارُوْا فِيْ
رَكْبٍ مُتَّجِهِيْنَ نَحْوَ مَكَّةَ، وَيَتَقَدَّمُهُمْ عُثْمَانَ
وَرَقِيَّةٌ، فَمَا أَنْ بَلِّغُوْا مَشَارِفِ مَكَّةَ، حَتَّىَ أَحَاطَتْ
بِهِمْ صَيْحَاتَ الْوَعِيْدِ وَالْهَلاكُ.
وَطَرَقْتُ رُقْيَةٌ بَابُ أَبِيْهَا تَحْتَ جُنْحِ الْظَّلامِ، وَمَا أَنْ
فَتَحَ الْبَابَ حَتَّىَ تُعَانِقَ الْأَحِبَّةِ، وَانْهَمَرَتْ دُمُوْعُ
الْلِقَاءِ. وَأَقْبَلَ مُحَمَّدُ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ
نَحْوَ ابْنَتَهُ يَحْنُوْ عَلَيْهَا وَيُسَعِفَهَا لِتَثُوبَ إِلَىَ
الْسَّكِينَةَ وَالْصَّبْرُ، فَالأُمُّ خَدِيْجَةُ قَدْ قَاسَتْ مَعَ رَسُوْلِ الْلَّهِ
وَآَلُ هَاشِمٍ كَثِيْرا مِنَ الاضْطِهَادِ مَعَ أَنَّهَا لَمْ
تُهَاجِرْ، وَقَدْ أَلْقَاهَا الْمَرَضِ طَرِيْحَةَ الْفِرَاشِ،
لَتَوَدِّعَ الْدُّنْيَا وَابْنَتِهَا مَا تَزَالُ غَائِبَةٍ فِيْ
الْحَبَشَةِ.
عَوْدَةُ رُقْيَةٌ إِلَىَ الْحَبَشَةِ
****
ذَهَبَتْ رُقِيِّهِ وَعُثْمَانَ إِلَىَ
رَسُوْلِ الْلَّهِ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ
يَسْتَأْذِنُونَهُ فِيْ الْهِجْرَةِ إِلَىَ الْحَبَشَةِ فَأَذِنَ لَهُمْ،
فَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِىَ الْلَّهُ عَنْهُ: يَا رَسُوْلَ
الْلَّهِ، فَهَجْرْتِنا الْأُوْلَىْ وَهَذِهِ الْآَخِرَةِ إِلَىَ
الْنَّجَاشِيِّ، وَلَسْتُ مَعَنَا. فَقَالَ رَسُوْلُ الْلَّهِ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ :" أَنْتُمْ مُهَاجِرُوْنَ إِلَىَ الْلَّهِ وَإِلَيَّ، لَكُمْ هَاتَانِ الْهِجْرَتَيْنِ جَمِيْعَا". فَقَالَ عُثْمَانُ: فَحَسْبُنَا يَا رَسُوْلَ الْلَّهِ
وَبِهَذَا تَنْفَرِدُ رُقْيَةٌ ابْنَةَ رَسُوْلِ الْلَّهِ
بِأَنَّهَا الْوَحِيدَةْ مِنْ بَنَاتِهِ الطَّاهِرَاتِ الَّتِيْ تُكْتَبُ
لَهَا الْهِجْرَةُ إِلَىَ بِلَادِ الْحَبَشَةِ،وَمَنْ ثُمَّ عُدْتُ مِنَ
أَصْحَابِ الْهِجْرَتَيْنِ
وَفَّاهُ ابْنُ الْسَّيْدِه رُقِيِّهِ
****
وَمَاتَ ابْنُ رُقْيَةٌ، بَعْدَ أَنْ بَلَغَ سِتَّ سِنِيْنٍ وَمَاتَ بَعْدَ أَنْ نُقِرَّ الْدِّيْكُ وَجْهَهُ(عَيْنِهِ)،
فَتَوَرَّمَ وَطَمَرَ وَجْهَهُ وَمَرِضَ ثُمَّ مَاتَ، وَبَكَّتَهُ
أُمُّهُ وَأَبُوْهُ، وَافْتَقَدَ جَدِّهِ بِمَوْتِهِ ذَلِكَ الْحَمَلِ
الْوَدِيعِ الَّذِيْ كَانَ يَحْمِلُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ كُلَّمَا زَارَ
بَيْتِ ابْنَتَهُ، وَلَمْ تَلِدْ رُقْيَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَفَّاهُ الْسَّيْدِه رُقِيِّهِ
****
وَلَمْ
يَكُنْ لِرُقِيّةٌ سِوَىْ الْصَّبْرِ وَحُسْنُ الْتَّجَمُّلِ بِهِ،
وَلَكِنَّ كَثْرَةَ مَا أَصَابَهَا فِيْ حَيَاتُهَا مِنْ مَصَائِبَ عِنْدَ
أُمِّ جَمِيْلٍ، وَفِيْ الْحَبَشَةِ، كَانَ لَهَا الْأَثَرْ فِيْ أَنْ
تَمْتَدَّ إِلَيْهَا يَدُ الْمَرَضِ وَالْضَّعْفِ، وَلَقَدْ آَنَ
لِجِسْمِها أَنَّ يَسْتَرِيْحُ عَلَىَ فِرَاشٍ أَعَدَّهُ لَهَا زَوْجُهَا
عُثْمَانَ، وَجَلَسَ بِقُرْبِهَا الْزَّوْجِ الْكَرِيْمِ يُمْرِضُهَا
وَيَرْعَاهَا،
وَكَانَ مَرَضٌ رُقْيَةٌ رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا الْحَصْبَةِ، ثُمَّ
بَعْدَ صِرَاعَهَا مَعَ هَذَا الْمَرَضُ، لَحِقَتْ رُقْيَةٌ بِالْرَّفِيْقِ
الْأَعْلَىَ، وَكَانَتْ أَوَّلَ مَنْ
لَحِقَ بِأُمِّ الْمُؤْمِنِيْنَ خَدِيْجَةَ مِنْ بَنَاتِهَا، لَكِنْ
رُقْيَةٌ تُوُفِّيَتْ بِالْمَدِيْنَةِ، وَخَدِيْجَةُ تُوُفِّيَتْ بِمَكَّةَ
قَبْلَ بِضْعِ سِنِيْنَ، وَلَمْ تَرَهَا رُقْيَةٌ، وَتُوُفِّيَتْ
رُقْيَةٌ، وَلَمْ تَرَ أَبَاهَا رَسُوْلُ الْلَّهِ، حَيْثُ كَانَ بِبَدْرٍ
مَعَ أَصْحَابِهِ الْكِرَامِ، يَعْلُوْنَ كَلِمَةُ الْلَّهِ، فَلَمْ
يَشْهَدْ دَفَنَهَا صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حَتَّىَ إِذَا بَلَغَتْ الْجِنَازَةِ الْبَقِيعِ، دُفِنَتْ رُقْيَةٌ
هُنَالِكَ، فِيْ رِوَايَةِ ابْنِ سَعْدٍ: قَالَ: لَمَّا مَاتَتْ رُقَيَّةُ
بِنْتُ رَسُوْلِ الْلَّهِ، قَالَ:
"أَلْحَقيّ بِسَلَفِنَا عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُوْنٍ" فَبَكَتْ الْنِّسَاءُ عَلَيْهَا؛ فَجَعَلَ عُمَرُ يَضْرِبُهُنَّ بِسَوْطِهِ.
فَأَخَذَ الْنَّبِيُّ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ بِيَدِهِ، وَقَالَ:
" دَعْهُنَّ يَبْكِيْنَ"، ثُمَّ قَالَ:
" ابْكِيَنَّ، وَإِيَّاكُنَّ وَنَعِيْقَ الْشَّيْطَانِ؛ فَإِنَّهُ مَهْمَا يَكُنْ مِنَ الْقَلْبِ وَالْعَيْنِ فَمِنَ الْلَّهِ وَالْرَّحْمَةِ، وَمُهَمَّا يَكُنْ مِنَ الْيَدِ وَالْلِّسَانِ فَمِنَ الْشَّيْطَانِ".
ثَالِثا:الْسَّيْدِه امْ كُلْثُوْمٍ
{رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا}
هِيَ امْ كُلْثُوْمٍ بِنْتُ مُحَمَّدٍ بْنِ عَبْدِ الْلَّهِ
بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ، أُمِّهَا الْسَّيِّدَةُ
خَدِيْجَةَ قِيَلَ أَنَّهَا وُلِدَتْ بَعْدَ رُقْيَةٌ، وَأَسْلَمْتُ مَعَ
أُمِّهَا وَأَخَوَاتُهَا، تَزَوَّجَهَا عُتَيْبَةَ بْنِ أَبِيْ لَهَبٍ
قَبْلَ الْبَعْثَةِ وَلَمْ يَدْخُلِ عَلَيْهَا، كَمَا تَزَوَّجَ أَخَاهُ
عُتْبَةَ رُقِيّـةٍ بَعْدَ الْبِعْثَةِ وَلَمْ يَدْخُلِ عَلَيْهَا أَيْضَا.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: خَرَجَتْ أُمُّ كُلْثُوْمٍ إِلَىَ الْمَدِيْنَةِ
لَمَّا هَاجَرَ الْنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَعَ فَاطِمَةَ وَغَيْرِهَا
مِنَ عُيَالْ الْنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَتَزَوَّجَهَا عُثْمَانَ
بَعْدَ مَوْتِ أُخْتِهَا رُقْيَةٌ فِيْ رَبِيْعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ
ثَلَاثٍ مَنْ الْهِجْرَةِ، ، وَمَاتَتْ عِنْدَهُ فِيْ شَعْبَانَ سَنَةَ تِسْعَ، وَلَمْ تَلِدْ لَهُ.
قُدُوَمْ الْسَّيْدِه امْ كُلْثُوْمٍ الْمَدِيْنَةِ
{رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا}
****
اسْتَقْبَلَ الْرَّسُوْلُ صلى الله عليه وسلم
ابْنَتَيْهِ أَمْ كُلْثُوْمٍ وَفَاطِمَةُ وَزَوْجِهِ سَوْدَةُ بِنْتُ
زَمْعَةَ بِكُلِّ شَوْقٍ وَحَنَانِ، وَيَأْتِيَ بِهِنَّ إِلَىَ دَارِهِ
الَّتِيْ أَعَدَّهَا لِأَهْلِهِ بَعْدَ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ الْنَّبَوِيِّ
الْشَّرِيفِ، وَيَمْضِيَ عَلَىَ أُمِّ كُلْثُوْمٍ فِيْ بَيْتِ أَبِيْهَا
عَامَانِ حَافُلَانَ بِالْأَحْدَاثِ
زَّوَاجِ الْسَّيْدِه امْ كُلْثُوْمٍ
{رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا}
بَعْدَ
أَنْ تُوُفِّيَتْ رُقِيّـةُ بِنْتُ رَسّـوَلَ الَلَّـهِ صلى الله عليه
وسلم وَمَضَتْ الْأَحْزَانُ وَالْهُمُوْمَ، يُزَوِّجُ رَسُوْلُ الْلَّهِ
صلى الله عليه وسلم عُثْمَانَ بْنِ عَفَانَ مِنْ أُمِّ كُلْثُـوَمَ
فَيَتَبَدَّلِ الْحَالِ وَتَمْضِيَ سُنَّةَ الْحَيَاةِ...
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُوْلِ الْلَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:
(أَتَانِيَ جِبْرِيْلُ فَقَالَ: (إِنَّ الْلَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَزَوَّجَ
عُثْمَانُ أَمْ كُلْثُوْمٍ عَلَىَ مِثْلِ صَدَاقٍ رُقْيَةٌ وَعَلَىَ
مِثْلِ صُحْبَتِهَا).
وَأَصْبَحَ عُثْمَانَ ذَا الْنُّوْرَيْنِ، وَكَانَ هَذَا الْزَّوَاجِ فِيْ
رَبِيْعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ ثَلَاثٍ مِنَ الْهِجْرَةِ. وَعَاشَتْ أَمْ
كُلْثُوْمٍ عِنْدَ عُثْمَانَ وَلَكِنْ لَمْ تَلِدْ لَهُ.
وَفَاه الْسَّيْدِه امْ كُلْثُوْمٍ
{رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا}
تُوُفِّيَتْ أَمُّ كُلْثُوْمٍ -رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا- فِيْ شَهْرِ شَعْبَانَ سَنَةَ تِسْعَ مِنَ الْهِجْرَةِ.
وَقَدْ جَلَسَ الْرَّسُوْلُ صلى الله عليه وسلم عَلَىَ قَبْرِهَا وَعَيْنَاهُ تَدْمَعَانِ حُزْنِا عَلَىَ ابْنَتِهِ الْغَالِيَةِ.
فَرَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا.
رَابِعا:الْسَّيْدِه فَاطِمَهْ الْزَّهْرَاءِ
{رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا}
هِيَ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ بْنُ عَبْدَا لِلَّهِ بْنِ هَاشِمٍ و(أُمَّ الْحَسَنَيْنِ)
وَصُغْرَى بَنَاتِهِ وَهِيَ أَيْضا ابْنَةَ خَدِيْجَةُ أَوَّلُ الْنِّسَاءِ إِيْمَانا بِالْإِسْلَامِ .
وَلَقَدْ شَاءَ الْلَّهُ أَنْ يَقْتَرِنَ مُوَلِّدُ فَاطِمَةَ فِيْ يَوْمِ
الْجُمُعَةِ الْمُوَافِقُ لِلْعِشْرِيْنَ مِنْ جُمَادَىْ الْآَخِرَةِ فِيْ
الْسَّنَةِ الْخَامِسَةِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ بِقَلِيْلٍ بِالْحَادِثِ
الْعَظِيْمِ الَّذِيْ ارْتَضَتْ فِيْهِ قُرَيْشٌ (مُحَمَّدا) حُكْما لَمَا
اشْتَدَّ الْخِلَافِ بَيْنَهُمْ حَوْلَ وَضْعِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ
بَعْدَ تَجْدِيْدِ بَنَّاءً الْكَعْبَةِ، وَكَيْفَ اسْتَطَاعَ عَلَيْهِ
الْصَّلاةُ وَالْسَّلامُ بِرَجَاحَةِ عَقْلِهِ أَنْ يَحِلَّ الْمُشْكِلَةَ
وَيُنْقِذُ قُرَيْشٍ مِمَّا كَانَ يَتَهَدَّدُهَا مِنَ حَرْبٍ وَعَدَاوَةِ
بَيْنَ الْأَهْلِ وَالْعَشِيرَةِ.
حَمْلٍ الْأَبِ الْحَانِيَ ابْنَتَهُ الْمُبَارَكَةِ يُهَدْهِدُهَا
وَيُلاطِفَهَا، وَكَانَتْ فَرْحَةَ خَدِيْجَةَ كَبِيْرَةً بِبَشَاشَتُهُ ،
وَهُوَ يَتَلَقَّىْ الْأْنْثَى الْرَّابِعَةَ فِيْ أَوْلَادِهِ، وَلَمْ
يَظْهَرْ عَلَيْهِ غَضَبُ وَلَا أَلَمٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُرْزَقْ ذِكْرا
وَكَانَتْ فَرِحَةً
خَدِيْجَةَ اكْبَرُ
حِيْنَ وَجَدْتُ مَلَامِحْ ابْنَتِهَا تُشْبِهُ مَلَامِحْ أَبِيْهَا،
وَقَدْ اسْتَبْشَرَ الْرَّسُوْلُ بِمَوْلِدِهَا فَهِيَ الْنَّسَمَةُ
الْطَّاهِرَةُ الَّتِيْ سَيَجْعَلُ الْلَّهُ نَسْلَهُ مِنْهَا .
وَعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِيْنَ رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا
قَالَتْ :مَا رَأَيْتُ أَحَدا مِنْ خَلْقِ الْلَّهِ أَشْبَهَ بِرَسُوْلِ
الْلَّهِ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فَاطِمَةَ.
وَقَدْ كَانَ تَسْمِيَتِهَا فَاطِمَةَ بِإِلْهَامٍ مِنَ الْلَّهِ
تَعَالَىْ,, فَقَدْ رَوَىَ الدَّيْلَمِيِّ عَنْ أَبِىْ هُرَيْرَةَ رَضِيَ
الْلَّهُ عَنْهُ عَنْ عَلَيَّ أَنَّهُ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ قَالَ
:"إِنَّمَا سُمِّيَتْ فَاطِمَةُ؛ لِأَنَّ الْلَّهَ فَطَمَهَا وَحَجْبِهَا مَنْ الْنَّارِ ".
تَرَعْرَعَتْ فَاطِمَةَ فِيْ بَيْتِ الْنُّبُوَّةِ الْرَّحِيْمِ،
وَالتَّوْجِيْهِ الْنَّبَوِيِّ الْرَّشِيْدُ، وَبِذَلِكَ نَشْأَةً عَلَىَ
الْعِفَّةِ وَعِزَّةٌ الْنَّفْسَ وَحُسْنَ الْخُلُقُ ،مُتُّخَذَتا أَبَاهَا
رَسُوْلُ الْلَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَثَلَ الْأَعْلَىَ لَهَا وَالْقُدْوَةُ الْحَسَنَةِ فِيْ جَمِيْعِ تَصَرّفُاتُهَا.
وَمَا كَادَتِ الْزَّهْرَاءِ أَنْ تَبْلُغَ الْخَامِسَةُ حَتَّىَ بَدَأَ الْتَّحَوُّلِ الْكَبِيْرِ فِيْ حَيَاةِ
أَبِيْهَا
بِنُزُوْلِ الْوَحْيِ عَلَيْهِ، وَكَانَ مِنْ أَشَدِّ مَا قَاسَتْهُ مِنْ
آَلَامٍ فِيْ بِدَايَةِ الْدَّعْوَةِ ذَلِكَ الْحِصَارَ الْشَّدِيْدُ
الَّذِيْ حُوْصِرَ فِيْهِ الْمُسْلِمُوْنَ مَعَ بَنِيَّ هَاشِمٍ فِيْ
شِعْبٍ أَبِيْ طَالِبٍ، وَّأَقَامُوْا عَلَىَ ذَلِكَ ثَلَاثَةِ سَنَوَاتِ،
فَلَمْ يَكُنْ الْمُشْرِكُوْنَ يَتْرُكُوْنَ طَعَاما يَدْخُلُ مَكَّةَ
وَلَا بِيَعا إِلَا وَاشْتَرُوهُ، حَتَّىَ أَصَابَ الْتَّعَبِ بَنِيَّ
هَاشِمٍ وَاضْطَرُّوا إِلَىَ أَكْلِ الْأَوْرَاقِ وَالْجُلُوْدُ، وَكَانَ
لَا يَصِلُ إِلَيْهِمْ شَيْئا إِلَا مُسْتَخْفِيَا، وَمَنْ كَانَ يُرِيْدُ
أَنْ يَصِلَ قَرِيْبا لَهُ مِنْ قُرَيْشٍ كَانَ يَصِلُهُ سَرَّا.
وَقَدْ أَثَّرَ الْحِصَارِ وَالْجُوْعِ عَلَىَ صِحَّةِ فَاطِمَةَ، وَلَكِنَّهُ زَادَهَا إِيْمَانَا وَنُضَجَا.
وَمَا
كَادَتِ فَاطِمَةَ الْصَّغِيْرَةِ تَخْرُجُ مِنْ مِحْنَةٍ الْحِصَارِ
حَتَّىَ فُوُجِئْتُ بِوَفَاةِ أُمِّهَا خَدِيْجَةَ فَامْتَلَأَتْ
نَفْسَهَا حُزْنِا وَأَلَمَّا، وَوَجَدْتُ نَفْسَهَا أَمَامَ
مَسْؤُوْلِيَّاتُ ضَخْمَةٌ نَحْوَ أَبِيْهَا الْنَّبِيِّ الْكَرِيمِ،
وَهُوَ يَمُرُّ بِظُرُوْفٍ قَاسِيَةً خَاصَّةً بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجَتِهِ
وَعَمَّهُ أَبِيْ طَالِبٍ.
فَمَا كَانَ مِنْهَا إِلَا أَنْ ضَاعَفْتَ الْجَهْدَ وَتَحَمَّلْتُ
الْأَحْدَاثِ فِيْ صَبْرٍ، وَوَقَفْتُ إِلَىَ جَانِبِ أَبِيْهَا
لِتَقَدُّمِ لَهُ الْعِوَضُ عَنْ أُمِّهَا وَزَوْجَتُهُ وَلِذَلِكَ كَانَتْ
تُكَنَّى بِـ "أَمْ أَبِيْهَا".
تَفْضِيْلُ الْسَّيْدِه فَاطِمَهْ الْزَّهْرَاءِ
{رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا}
لَقَدْ
جَلَّلَ الْنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَاطِمَةَ وَزَوْجَهَا
وَابْنَيْهَا الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنِ بِكِسَاءٍ وَقَالَ: (الْلَّهُمَّ
هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِيَ، الْلَّهُمَّ فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الْرِّجْسَ
وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيْرَا).
كَمَا قَالَ لَهَا: (يَا فَاطِمَةُ: أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُوْنِيْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِيْنَ).
كَمَا قَالَ الْرَّسُوْلُ صلى الله عليه وسلم : (سَيِّدَاتِ
نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ بَعْدَ مَرِيْمَ بَنِتُ عِمْرَانَ فَاطِمَةَ
وَخَدِيْجَةُ وَآَسْيَا بِنْتُ مُزَاحِمٍ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ).
زَوَاجٌ الْسَّيِّدَةُ فَاطِمَةُ الْزَّهْرَاءِ
{رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا}
بَعْدَ
أَنْ تَزَوَّجَ الْرَّسُوْلِ مَنْ الْسَّيِّدَةُ عَائِشَةُ-رَضِيَ
الْلَّهُ عَنْهَا - تَقَدَّمَ كِبَارِ الْصَّحَابَةِ لِخُطْبَةِ
الْزَّهْرَاءِ، بَعْدَ أَنْ كَانُوْا يُحْجِمُونَ عَنِ ذَلِكَ سَابِقا
لِوُجُوْدِهَا مَعَ أَبِيْهَا وَخِدْمَتِهَا إِيَّاهُ. فَقَدْ تَقَدَّمَ
لِخُطْبَةِ الْزَّهْرَاءِ أَبُوْ بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَبْدَالْرَّحْمَنِ
بْنَ عَوْفٍ - رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهُمْ- وَلَكِنَّ الْنَّبِيِّصلى الله
عليه وسلم اعْتَذَرَ فِيْ لُطْفٍ وَرِفْقٍ، وَتُحَدِّثُ الْأَنْصَارِ
إِلَىَ عَلِيِّ بْنِ أَبِيْ طَالِبٍ –
رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهُ - وشَجَعُوهُ عَلَىَ الْتَّقَدُّمِ لِخُطْبَةِ
فَاطِمَةَ، وَاخَذُوا يَذْكُرُوْنَهُ بِمَكَانَتِهُ فِيْ الْإِسْلَامِ
وَعِنْدَ رَسُوْلُ الْلَّهِ حَتَّىَ تُشَجِّعُ وَذَهَبَ إِلَىَ
الْرَّسُوْلِ صلى الله عليه وسلم خَاطِبا، وَعِنْدَمَا حَضَرَ مَجْلِسَ
الْنَّبِيِّ غَلَبَهُ الْحَيَاءُ فَلَمْ يَذْكُرْ حَاجَتِهِ ، وَأَدْرَكَ
رَسُوْلَ الْلَّهِ مَا يَنْتَابُ عَلَيَّ مِنْ حَرَجٍ فَبَادِرْهُ
بِقَوْلِهِ :مَا حَاجَةً ابْنِ أَبِيْ طَالِبٍ ؟
أَجَابَ عَلَيَّ :ذَكَرَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُوْلِ الْلَّهِ
قَالَ رَسُوْلُ الْلَّهِ : مُرَحِّبا وَأَهْلَا ..
وَكَانَتْ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ بَرْدا وَسَلَاما عَلَىَ قَلْبِ عَلِيٍّ
فَقَدْ فَهِمَ مِنْهَا، وَكَذَلِكَ فَهُمْ أَصْحَابُهُ أَنَّ رَسُوْلَ
الْلَّهِ يُرَحِّبُ بِهِ زَوْجا لِابْنَتِهِ .
وَكَانَتْ تِلْكَ مُقَدِّمَةٌ الْخُطْبَةِ ،عُرِفَ عَلَيَّ أَنَّ رَسُوْلَ الْلَّهِ يُرَحِّبُ بِهِ زَوْجا لِأَبْنَتِهِ
فَاطِمَةَ ،فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ ذَهَبَ إِلَىَ رَسُوْلِ الْلَّهِ وَخَطَبَ فَاطِمَةَ … وَكَانَ
مَهْرَهَا رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا دِرْعَا أَهْدَاهَا الْرَّسُوْلِ
صَلَّىَ الْلَّهُ إِلَىَ عَلِيٍّ فِيْ غَزْوَةِ بَدْرٍ،وَقَدْ دَعَا
لَهُمْ رَسُوْلُ الْلَّهِ فَقَالَ : "الْلَّهُمَّ بَارِكْ فِيْهِمَا وَبَارِكْ عَلَيْهِمَا وَبَارِكْ لَهُمَا فِيْ نَسْلُهُمَا ".
حَيَاهْ الْسَّيْدِه فَاطِمَهْ فِيْ بَيْتِ زَوْجِهَا
{رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا}
****
لَمْ
تَكُنْ حَيَاةَ فَاطِمَةَ فِيْ بَيْتِ زَوْجِهَا مُتْرَفَةَ وَلَا
نَاعِمَةٌ، بَلْ كَانَتْ أَقْرَبَ لِلخُشونَةً وَالْفَقْرِ، وَقَدْ
كَفَاهَا زَوْجَهَا الْخِدْمَةِ خَارِجَا وَسَقَّايَةٌ الْحَاجِّ
وَأَسْنَدَهُ لِأُمَّةٍ، وَكَانَ عَلِيُّ رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهُ
يُسَاعِدُهُا فِيْ شُؤُوْنِ الْمَنْزِلِ.
قَالَ عَلِيُّ رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهُ : لَقَدْ تَزَوَّجْتُ فَاطِمَةَ
وَمَا لِيَ وَلَهَا فِرَاشٍ غَيْرَ جِلْدِ كَبْشٍ نَنَامُ عَلَيْهِ
بِالْلَّيْلِ وَنَجْلِسُ عَلَيْهِ بِالْنَّهَارِ،وَمَالِيْ وَلَهَا خَادِمٌ
غَيْرُهُا ، وَلَمَّا زَوْجَهَا رَسُوْلٌ الْلَّهُ بِيَ بَعَثَ مَعَهَا
بِخَمِيْلَةٍ وَوِسَادَةٌ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيْفٌ وَرَحَائِينَ وَسِقَاءٌ
وَجَرَّتَيْنِ، فُجِّرَتْ بِالْرَّحَىَ حَتَّىَ أَثَّرَتْ فِيْ
يَدِهَا،وَاسْتَقَتْ بِالْقُرْبَةِ بِنَحْرِهَا ،وَقَمَّتْ الْبَيْتَ
حَتَّىَ اغْبَرَّتْ ثِيَابُهَا .
وَلَمَّا عَلِمَ عَلَيَّ – كُرِّمَ الْلَّهُ وَجْهَهُ - أَنْ الْنَّبِيِّ
قَدْ جَاءَهُ خَدَمَ قَالَ لِفَاطِمَةَ :لَوْ أَتَيْتَ أَبَاكَ فَسَأَلْتِيهِ خَادِما ،فَأَتَتْهُ فَقَالَ الْنَّبِيُّ
مَا جَاءَ بِكَ يَا بُنَيَّهُ؟ قَالَتْ :جِئْتُ لَأُسَلَّمَ
عَلَيْكَ،وَاسْتَحْيَتْ أَنْ تَسْأَلَهُ وَرَجَعَتْ ،فَأَتَاهَا رَسُوْلُ
الْلَّهِ مَنْ الْغَدُ فَقَالَ :مَا كَانَتْ حَاجَتُكَ ؟فَسَكَتَتْ فَقَالَ
عَلِيٌّ :وَاللَّهُ يَا رَسُوْلَ الْلَّهِ لَقَدْ سَنَوْتُ حَتَّىَ
اشْتَكَيْتُ صَدْرِيْ،وَهَذِهِ فَاطِمَةُ قَدْ طَحَنْتُ حَتَّىَ مَجَلَتْ
يَدَاهَا وَقَدْ أَتَىَ الْلَّهَ بِسَبْيٍ فَأَخْدِمْنَا.
فَقَالَ الْرَّسُوْلُ صلى الله عليه وسلم
:"لَا وَالْلَّهِ ،لَا أُعْطِيَكُمَا وَأَدَعُ أَهْلَ الْصُّفَّةِ
تَتَلَوَّى بُطُوْنِهِمْ ،لَا أَجِدُ مَا
أُنْفِقْ عَلَيْهِمْ وَلَكِنْ أَبِيْعُ وَأَنْفِقْ عَلَيْهِمْ بِالثَّمَنِ “
فَرَجَعَا إِلَىَ مَنْزِلِهَا ،فَأَتَاهُمَا رَسُوْلُ الْلَّهِ صَلَّىَ
الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُخَفِّفَ عَنْهُمَا عَنَاءَهُما وَقَالَ
لَهُمَا بِرِفْقٍ وَحَنَانٍ :
أَلَا أُخْبِرُكُمَا بِخَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَانِي ؟ قَالَا: بَلَىَ:
فَقَالَ :"كَلِمَاتٍ عَلَّمَنِيْهِنَّ جِبْرِيْلُ :تُسَبِّحَانِ الْلَّهَ
دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ عَشْرا، وَتَحْمَدَانِ عَشْرا ، وَتُكَبِّرَانِ
عَشْرا ،وَإِذَا أَوَيْتُمَا إِلَىَ فِرَاشِكُمَا تُسَبِّحَانِ ثَلَاثَةِ
وَثَلَاثِيَنَّ ،وَتَحْمَدَانِ ثَلَاثَةِ وَثَلَاثِيَنَّ ،وَتُكَبِّرَانِ
أَرْبَعا وَثَلَاثِيَنَّ " .
اوْلَادِ الْسَّيْدِه فَاطِمَهْ الْزَّهْرَاءِ
{رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا}
وُضِعَتْ فَاطِمَهْ طِفْلَهَا الْأَوَّلِ فِيْ الْسَّنَةِ الْثَّالِثَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ
فَفَرِحَ بِهِ الْنَّبِيُّ فَرَحَا كَبِيْرَا فَتَلَا الْآذَانِ عَلَىَ
مَسْمَعِهِ، ثُمَّ حَنَّكَهُ بِنَفْسِهِ وَسَمَّاهُ الْحَسَنِ ،فَصَنَعَ
عَقِيْقَةٌ فِيْ يَوْمٍ سَابِعِهِ، وَحَلَّقَ شَعْرِهِ وَتَصَدَّقْ
بِزِنَةِ شَعْرِهِ فِضَّةً .
وَكَانَ الْحَسَنُ أَشْبَهُ خَلْقِ الْلَّهِ بِرَسُوْلِ الْلَّهِ
صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيْ وَجْهِهِ، وَمَا أَنْ بَلَغَ
الْحَسَنَ مِنْ الْعُمْرِ عَاما حَتَّىَ وُلِدَ بَعْدَهُ
الْحُسَيْنِ فِيْ شَهْرِ شَعْبَانِ سَنَةً أَرْبَعَ مِنْ الْهِجْرَةِ ، وَتُفْتَحُ قَلْبِ رَسُوْلِ الْلَّهِ
لِسِبْطَيْهِ (الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ)،فَغَمَرْهُما بِكُلِّ مَا
امْتَلَأَ بِهِ قَلْبَهُ مِنَ حَبَّ وُحَنَانٍ وَكَانَ صَلَّىَ الْلَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُوْلُ:الَلَّهُمْ أَنِّيْ أُحِبُّهُمَا
فَأَحِبَّهُمَا وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُمَا "
وَتَتَابَعَ الْثَّمَرِ الْمُبَارَكِ فَوَلَدَتْ الْزَّهْرَاءِ فِيْ الْعَامِ الْخَامِسْ
لِلْهِجْرَةِ طِفْلَةٍ اسْمَاهَا جِدْهَا صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (زَيْنَبْ).وَبَعْدَ عَامَيْنِ مِنْ مَوْلِدِ زَيْنَبْ وُضِعَتْ طِفْلَةٍ أُخْرَىَ اخْتَارَ لَهَا الْرَّسُوْلُ اسْمَ (أَمْ كُلْثُوْمٍ ) .
وَبِذَلِكَ آَثَرَ الْلَّهُ فَاطِمَةَ
بِالْنِّعْمَةِ الْكُبْرَىَ ،فَحَصِرَ فِيْ وَلَدِهَا ذُرِّيَّةً
نُبَيْهِ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،وَحِفْظُ بِهَا.
وَفَّاهُ الْسَّيْدِه فَاطِمَهْ الْزَّهْرَاءِ
{رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهَا}
يُقَالُ
أَنَّ الْفَتْرَةَ بَيْنَ وَفَاتِهَا وَوَفَاةُ أَبِيْهَا هِيَ خَمْسَةٌ
وَتِسْعُوْنَ يَوْمَا، أَيُّ فِيْ يَوْمِ الْثَّالِثِ مِنْ شَهْرِ
جُمَادَىْ الْآَخِرَةِ وَالْلَّهُ اعْلَمْ
فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ جَاءَتْ عَائِشَةُ تُدْخِلِ فَقَالَتْ أَسْمَاءُ: لَا
تَدْخُلِيْ، فَشَكَتْ إِلَىَ أَبِيْ بَكْرٍ، فَقَالَتْ: إِنَّ هَذِهِ
الْخَثْعَمِيَّةَ تَحُوْلُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ بِنْتِ رَسُوْلِ
الْلَّهِ، وَقَدْ جَعَلَتْ لَهَا مِثْلَ هَوْدَجِ الْعَرُوسُ، فَجَاءَ
فَوَقَفَ عَلَىَ الْبَابِ فَقَالَ: يَا أَسْمَاءُ مَا حَمَلَكَ عَلَىَ أَنْ
مُنِعَتْ أَزْوَاجٌ الْنَّبِيُّ أَنْ يُدْخِلْنَ عَلَىَ بِنْتِ رَسُوْلِ الْلَّهِ؟ وَ جَعَلْتَ لَهَا مِثْلَ هَوْدَجِ الْعَرُوسُ؟
فَقَالَتْ: أَمْرَتَنِي أَنَّ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا أَحَدٌ، وَأَرَيْتُهَا هَذَا الَّذِيْ صَنَعْتَ، وَهِيَ حَيَّةٌ، فَأَمَرَتْنِي أَنْ اصْنَعْ ذَلِكَ لَهَا، قَالَ أَبُوْ بَكْرٍ: فَاصْنَعِيْ مَا أَمَرَتْكِ ثُمَّ انْصَرَفَ.
وَ كَفَّنَهَا عَلَيَّ بْنِ أَبِيْ طَالِبٍ زوْجَهَا فِيْ سَبْعَةِ أَثْوَابٍ، وَحْنطِهَا بِفَاضِلٍ حَنُوْطِ رسُوْلُ الْلَّهِ، ثُمَّ صَلَّىَ عَلَيْهَا، وَدَفَنَهَا سَرَّا فِيْ جَوْفِ الْلَّيْلِ، وَعَفَّى قَبْرِهَا، وَلَمْ يَحْضُرْ دَفَنَهَا وَالْصَّلاةُ عَلَيْهَا إِلَا عَلَيْ وَابْنَيْهَا الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنِ، وَ عَمَّارٍ وَالْمِقْدَادَ، وَ عَقِيْلٍ وَ الزُّبَيْرُ وَ أَبُوْ ذَرٍّ وَ سَلْمَانَ، وَ بُرَيْدَةَ وَ نَفَرٌ مِنْ بَنِيَّ هَاشِمٍ وَ خَوَاصَّ عَلَيَّ.
رَضِىَالْلَّهُ عَنْهَا وَعَنْ الْصَّحَابِيَّاتِ وَ الْصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ
لكم منى كل تقدير واحتراااااااام
Mostafa Zahra
مواضيع مماثلة
» هكذا علمنى رسول الله
» تعلموا وعلموا ابنائكم حب رسول الله
» اذكاااااار الله
» محبه الله .........................
» لا تسب الله وانت لا تدرى ,,,,,,,,,,
» تعلموا وعلموا ابنائكم حب رسول الله
» اذكاااااار الله
» محبه الله .........................
» لا تسب الله وانت لا تدرى ,,,,,,,,,,
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى